الاثنين، 6 يوليو 2015

وسائل الركاع في إغراء الرعاع ابراهيم العلاف

وسائل الركاع في إغراء الرعاع 

ابراهيم العلاف

كما سبق ان قلتْ ، فإن الصراعات السياسية في العراق ، وخاصة بعد ثورة 14 تموز 1958 التي أسقطت النظام الملكي الهاشمي وأقامت جمهورية العراق ، أدت الى ان يحاول كل حزب من الاحزاب السياسية التي كانت مؤتلفة في جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست منذ سنة 1957 من الحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الاستقلال والحزب الوطني الديموقراطي وبعض الشخصيات المستقلة ، ان يحاول كل حزب ان يسرق الثورة ويعتبر نفسه هو من كان وراء الثورة مع انني اقر –كمؤرخ –ان كل هذه الاحزاب قامت بدور مهم لاينكر في التمهيد للثورة لكن المصالح الشخصية ، والاجندات الخارجية حالت دون ان تتقوى الجبهة وتقوي الثورة بل بالعكس بدأنا نشهد استقطابات سياسية تبلورت لتقسم الشارع العراقي بين فئتين سياسيتين هما : القوميين والشيوعيين وقد تخفى القوميون وراء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب القائد العام للقوات المسلحة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية في حين تخفى الشيوعيين وراء الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكالة والقائد العام للقوات المسلحة .
وللاسف بدأ الانحراف في الثورة وابعد عبد السلام محمد عارف وقدم للمحاكمة بتهمة التآمر لقتل ( الزعيم ) وهي الكلمة التي راحت تطلق على الزعيم الركن عبد الكريم قاسم آمر اللواء 19 والذي قام بالثورة مع اللواء ال20 الذي كان معاون آمره العقيد الركن عبد السلام محمد عارف والذي اقتحم بغداد فجرا وسيطر على الاذاعة ومقدرات الحكم وفي الساعة 11 قبل الظهر دخل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ...هذه هي الحقيقة لكن التنافس على الكراسي ، والمصالح الشخصية، والاجندات الخارجية هي من دفعت الامور الى قيام حركة مسلحة مضادة للزعيم في الموصل في اذار 1959 بقيادة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر موقع الموصل ، والتي فشلت وكان ان تقدم الحزب الشيوعي الى الواجهة وبدأ يطالب الزعيم بالمشاركة في الحكم ورفع في الشارع شعار :" عاش زعيمي عبد الكريمي الحزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيمي " .
وركب بعض الرعاع من مدعي الحرية والسلام الموجة وبدأوا محاولاتهم للسيطرة على مؤسسات الدولة والجيش والشرطة والمقاومة الشعبية وجامعة بغداد وتصوروا ان الامور استقرت لهم وللاسف اعملوا في معارضيهم القتل والسحل وتعليق الجثث على اعمدة الكهرباء وانطلق شعرائهم يطالبون الزعيم بتضييق الحبل على رقاب المتآمرين من القوميين ومن يساعدهم او من يؤيدهم .
من حسن الصدف او قل من حسن حظ المؤرخين والاجيال التالية في العراق ان سجل البعض كل تلك الاحداث في كتب وكراريس اصبحت اليوم مصادر للتاريخ المعاصر .. وقد يتصور البعض ممن لايزال راكبا موجة الطائفية وتهميش واقصاء الاخرين ان التاريخ والناس قد نسوا ما حدث واقول لايمكن للتاريخ ان ينسى فلكل حسابه ، وبيدي الان كتاب في مكتبتي الشخصية مطبوع في المسيب 14 شوال 1379 هجرية 10 نيسان 1960 ميلادية للاستاذ السيد جعفر يحيى الحبوبي عضو الرابطة الادبية بعنوان :"وسائل الركاع في إغراء الرعاع " وهو يهدي كتابه الى ارواح من سقطوا صرعى الفوضويين في الموصل وكركوك والهندية ودهوك وفي بقية المدن والارياف في العراق الحبيب " .
والكتاب يتناول عرضا للاحداث المؤسفة التي كانت مدينة المسيب مسرحا لها خلال المد الشيوعي الذي صبغ ارض الرافدين بدماء الابرياء ووسم سكانه برعب قاتل يلوح للناس مع الحبال المفتولة تجر بها جثث الاحياء والقتل في الشوارع ولسان حال من يقوم بذلك :"ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة " اية لغة سلام هذه التي ادعاها اولئك الذين كانوا يتبجحون بالسلام والحرية .
ما علينا وليس قصدي نكأ الجراح لكنني اريد ان اقدم درسا للاحياء ولمن يريد ان يستفيد من التاريخ بأن اقول ان الحقد لايولد الا حقدا والدم لايولد الا دما ولغة الشعارات والاقاويل والوطنية ليست دائما صادقة قد ترفع لكن الحقيقة غير ذلك وما حدث بالامس يجب ان لايحدث ولايمكن ان يقبل انسان بلغة التهميش والقتل والثأر والدم .. وكما قال مؤلف الكتاب في حينه كيف انه - وهو يواجه كل تلك الاحداث – كان قلقا " وهو يترقب بين آونة واخرى حبلا يلف فوق اعناقنا او نارا تلتهم بيوتنا او جماهير مسخرة تنهب مخازننا " .
الكتاب اذا يقتصر على سرد ماجرى في المسيب حين سيطرت زمرة من الحزب الشيوعي بقيادة حسن الحاج عباس الركاع على مدينة المسيب وداست كل القيم الانسانية فحقت عليها لعنة التاريخ ..حسن الركاع هذا والذي برز اسمه على مسرح تلك المدينة هو من مواليد سنة 1916 عمل بمهنة الركاع وعين فراشا في مأمورية طابو المسيب سنة 1943 وسجن سنة 1956 لانتماءه الى الحزب الشيوعي ونفي الى بدرة وبعد ثورة 1958 عاد الى المسيب وفي بداية كانون الاول 1958 اصبح سكرتيرا عاما للجمعيات الفلاحية في المسيب وانتهى الامر به في السجن بعد ان حوكم امام المحكمة العرفية العسكرية 1960 .
الكتاب يروي قصة حسن الركاع وسيرته ومعاداته للملاكين وانذاراته لهم ، وللقائمقام، واتصاله بالزعيم ، وهجومه على سراي الحكومة في المسيب ، وانكاره للتقاليد والقيم ، وهجومه على وشائج النسب والدين والحجاب ودعوته لمقاومة العنعنات (البرجوازية ) والالقاب ورص الصفوف ووحدتها واقامة الوطن السعيد ونشر التعاليم الماركسية اللينينية ثم القبض عليه ومحاكمته .. وقد احسن المؤلف صنعا عندما الحق بكتابه قرار التجريم الصادرة بحق حسن الركاع في قضايا عديدة منها الهجوم على سراي المسيب .
هكذا هو التاريخ يسجل والعاقل من يستفيد من التاريخ وثمة الكثير من التفاصيل في هذا الكتاب –الوثيقة لكن الحيز لايكفي ولايتسع لذكرها بل ليس من الحكمة ذكرها .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...