الاثنين، 4 مايو 2015

ماذا يعنى أن تكون شاباً؟! بقلم : يوسف القعيد

ماذا يعنى أن تكون شاباً؟!
بقلم : يوسف القعيد
ثلاث مرات توقفت أمام كلمة: الشباب. المرة الأولى فى فبراير -شباط 1968. وكنت فى الرابعة والعشرين من عمري. والمرة الثانية فى يناير - كانون الثاني
1977. وكنت فى الثالثة والثلاثين من العمر. والمرة الثالثة - ولا أتمنى أن تكون الأخيرة - فى يناير -كانون الثاني 2011. وكنت فى السابعة والستين من العمر.
أكتب عن المرتين الأولى والثانية فقط. لأن الثالثة ما زالت ممتدة والكتابة عنها تتطلب أن نصل لخبر الجملة الإسمية التى بدأت بمبتدئها وكان مخاض الوصول لخبرها صعباً وعسيراً.
فى المرة الأولى كانت ثورة الشباب المصري. رداً على أحكام الطيران التى صدرت عقب نكسة الخامس من يونيو-حزيران سنة 1967. وكان الهدف الأول منها رفض هذه الأحكام. التى رأى الشباب أنها هيِّنة ليِّنة لا تتناسب أبداً مع حجم الكارثة التى حدثت فى الخامس من يونيو سنة 1967.
لكن حركة الشباب المصرى أصبحت جزءاً من حركة الشباب على مستوى العالم. الثورة التى هزت الدنيا بكل ما فيها ومن فيها. لدرجة أننى مازلت أذكر أن عدداً خاصاً صدر من مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة الأهرام وكان عنوانه الرئيسي: شباب 68 يهز العالم.
كان مركز تحرك شباب 1968 باريس. وكان الزمان مارس من ذلك العام. وكان هناك أساس أيديولوجى لتحركهم ألا وهو تغيير العالم إلى الأفضل. وتصدرت ثورتهم أسماء مهمة فى ذلك الوقت أذكر منهم جان بول سارتر فى باريس وبرتراند راسل فى لندن. وقد غيرت هذه الحركة الكثير من معطيات الدنيا وخلقت واقعاً جديداً وزمناً مغايراً ومفردات طارئة.
أما فى مصر فقد كانت صدمة نكسة الخامس من يونيو مروعة. ربما كانت الحدث الأول الذى هز وجدان جيل الشباب فى ذلك الوقت. وشباب تلك الأيام كانوا قد أتوا إلى الدنيا فى أواخر أربعينيات القرن الماضى وأوائل الخمسينيات. القليل منهم رأى الملك فاروق. لكن الكثرة الكاثرة لم تعرف سوى جمال عبد الناصر. زعيماً وقائداً وملهماً. وقد تركزت المظاهرات فى ميدان العباسية. ربما لأن الشرارة انطلقت من جامعة عين شمس.
يومها كان عبد الناصر شديد الوضوح فى موقفه من حركة الشباب. اتصل بشعراوى جمعة. وزير الداخلية كما حكى لى الأستاذ هيكل فيما بعد وقال له: لو أطلقت رصاصة واحدة وسقط شهيد واحد نكون قد فقدنا شرعيتنا تماماً. ونذهب إلى منازلنا. ربما سقط قتيل واحد فى كل هذه المظاهرات. لكن النظام متمثلاً فى رأسه وعقله المدبر وهو عبد الناصر. أخذ الأمر على محمل الجد وتعامل معه باعتباره من الأمور التى يجب إدراكها دون تهويل أو تهوين.
وعندما وصل المتظاهرون إلى جريدة الأهرام فى مبناها الجديد بشارع الجلاء وكان هيكل موجوداً بمكتبه. اتصل به عبد الناصر وطلب منه النزول للمتظاهرين والكلام معهم والاستماع لهم أو أن يصعدوا إلى مكتبه ويجرى حوارا معهم. كانت الدولة المصرية. دولة جمال عبد الناصر قبل المجتمع المصرى وبعده. مجتمع جمال عبد الناصر فى أمس الحاجة للشباب. وهو ما فعله هيكل.
لم يكتف عبد الناصر بالحفاظ على حياة المتظاهرين. لكنه استدعى إلى مكتبه قياداتهم وقابلهم وتكلم معهم. واستمع لكل ما يقولونه. وعندما وجهوا له الدعوة لزيارة الجامعة زارهم وتحدث معهم وألقى خطاباً طويلاً وتبلورت هذه المناقشات فى صدور بيان 30 مارس الذى احتوى على جميع الإصلاحات التى نفذها الرئيس السادات فى منتصف سبعينيات القرن الماضي.
من الأسماء التى طرحتها مظاهرات تلك الأيام. كان الدكتور عبد الحميد حسن. الذى أصبح أميناً للشباب فى الاتحاد الاشتراكى العربي. وانتهى به المطاف محافظاً للجيزة. فى ثمانينيات القرن الماضي. ولأن التغييرات التى جرت فى بر مصر كانت مخيفة. فالشاب المتظاهر الذى أوصلته المظاهرات للقاء عبد الناصر والحديث مع هيكل. أصبحوا فيما بعد من رموز المجتمع المصري. بعضهم حافظ على وهج ناصريته. والبعض الآخر كانت الناصرية مجرد معبر انتقل منه من الشباب إلى ما بعد الشباب. من أحلام الشباب إلى مكاسب الذين كانوا شباباً. وتلك حركة التاريخ.
فى يناير 1977 كلنا نعرف أن الانتفاضة كان سببها الرفع المفاجئ لأسعار عدد من السلع الأساسية فى مصر. وأيضاً النشر عن هذه الأسعار فى الصحف اليومية السيارة بشكل بارز. خصوصاً جريدة الأهرام. لكن انتفاضة الخبز كما أطلق عليها علماء الاجتماع السياسى والمؤرخون أو انتفاضة الحرامية كما سماها الرئيس السادات. أفرزت عدداً من القيادات الشابة التى تحاورت مع الرئيس السادات وذهبت إلى القصر الجمهوري. وذهب السادات كرد على الزيارة إلى جامعة القاهرة. وعندما حاول بعض الشباب التجاوز فى الكلام مع الرئيس السادات. وكانت الجلسة مذاعة على الهواء فى التليفزيون. انزعج السادات وشخط فى الشاب شخطة جزء منها تمثيلي. يطلب منه الجلوس والصمت لأنه يكلم كبير العائلة المصرية.
كان هذا الشاب هو حمدين صباحي. الذى ما زال يتظاهر ووقف فى ميدان التحرير فى يناير 2011 بصفة جديدة. باعتباره مؤسساً لحزب جديد هو حزب الكرامة »تحت التأسيس« ورئيس تحرير جريدة هى جريدة الكرامة. ومسئول مصرى من مسئولى قيادة الرأى العام. تقدم به السن فعلاً. لكنه ما زال يحتمى بالشباب. يرفع رأسه بينهم ويتحدث معهم. مع أن الشباب الذين خرج من بينهم الآن يقتربون من الستين من العمر كانوا عينة فريدة من الشباب. جاءوا لمصر بعد السادس من أكتوبر. وقبيل الانفتاح الاقتصادى الذى قلب سلم القيم المصرى انقلاباً لم يحدث. هذا لم يجر بين يوم وليلة. لكنها عملية بطيئة بدأت من 1974 واستمرت حتى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ووصلت لأعلى موجاتها بالخامس والعشرين من يناير 2011 والثلاثين من يونيو 2013. والتى تحل ذكراها بعد أيام طالت أم قصرت.
هل أختم هذه الكتابة عن شباب الزمن الذى مضى ببيت الشعر الذى يقول:
ألا ليت الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيب
لا الشباب سيعود. لكن قدرتنا على إخباره بما فعل المشيب أرجو أن تكون موجودة وجاهزة. وإن كنت أشك فى هذا كثيراً.
*http://www.ahram.org.eg/


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...