الخميس، 9 أبريل 2015

صنع القرار السياسي في العراق بعد 9 نيسان 2003 هياكله ومصادره وآلياته



 صنع القرار السياسي في العراق بعد 9 نيسان 2003  هياكله ومصادره وآلياته

أ .د.ابراهيم خليل العلاف
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل -العراق

مقدمة :
بعد احتلال العراق في التاسع من نيسان 2003 ،واسقاط النظام السياسي السابق ، وجدت الولايات المتحدة الامريكية أنها امام مشكلتين اولاهما انها لم تكن تملك خطة واضحة تساعد في السيطرة على الاوضاع على العراق خاصة بعد حل الجيش العراقي، والاجهزة الامنية والاستخبارية، وفتح الحدود على مصراعيها مما أدى الى تسرب قوى واشخاص وشبكات مختلفة الاتجاهات بدأت تعمل في الساحة العراقية ، وقسم منها يرتبط، بشكل أو بآخر، بمصالح دول الجوار، وينشط باتجاه تحقيق اهداف بعيدة عن مصالح العراق، وخير شعبه، وقد ادى ذلك الى خلق حالة من الفوضى والارتباك وعدم الاستقرار لانزال نعيش تبعاته حتى يومنا هذا .
والمشكلة الثانية التي أصبحت تواجهها الولايات المتحدة في العراق هي أنها صارت وجها لوجه أمام عمليات مقاومة وطنية واسلامية ( سلمية ومسلحة) ليس من السهولة اخضاعها ، لذلك اتجهت الى مجلس الامن ، وتمكنت من الحصول على القرار 1483 (2003) الذي عدها دولة محتلة تترتب عليها تبعات وواجبات متعددة لعل في مقدمتها السعي باتجاه ايجاد سلطةحاكمة أو حكومة وطنية .
مراحل ادارة العراق :
مر العراق بين سنتي 2003 والوقت الحاضر بمراحل عديدة ،شهد فيها ظهور هياكل وسلطات ادارية مختلفة وهي على التوالي :
1 . مكتب اعادة الاعمار والمساعدات الانسانية
Office of Reconstruction and Humanitarian Assistance (ORHA)
2 . سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق
Coalition Provisional Authority (CPA)
3 . مجلس الحكم الانتقالي
4 . الحكومة العراقية المؤقتة
5 . الحكومة العراقية الانتقالية
6 . الحكومة العراقية المنتخبة

مكتب اعادة الاعمار والمساعدات الانسانية :
عقب الاحتلال الامريكي للعراق، تشكلت هيئة لادارة شؤون العراق سميت بأسم (مكتب اعادة اعمار العراق والمساعدات الانسانية) المعروفة اختصارا بـ (ORHA). وقد اختارت الادارة الامريكية( الجنرال المتقاعد جاي مونتغمري غارنر) Jay Montgomery Garner مشرفا عليها، وصدر أمر تعيينه منذ يوم 6 نيسان 2003 ،وقد كان غارنر يتبع وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد مباشرة ، خاصة وانه كان من اصدقاءه المعروفين . وقد وصل غارنر الكويت ظهر يوم 7 نيسان 2003 واختار ام قصر لتكون مقرامؤقتا له . وغارنر من مواليد 15 نيسان 1938 ، عمل لفترة نائبا لرئيس اركان القوات البرية الامريكية ، ومسؤولا عن انظمة صواريخ باتريوت. وخلال حرب 1991، كلف بمتابعة ضمان عودة اللاجئين الاكراد الى شمال العراق . وصل غارنر بغداد يوم 21 نيسان 2003، وكان الى جانبه في المكتب الجنرال بروز مور Brose More ، وكلف بمتابعة شؤون المنطقة الشمالية من العراق ، والجنرال بيك والترز Peek Walters، وكلف متابعة شؤون المنطقة الجنوبية. أما باربارا اودين السفيرة الامريكية السابقة في اليمن، فكلفت بادارة شؤون المنطقة الوسطى ،وكان في المكتب عدد من الموظفين العراقيين الذين كانت لهم صلة سابقة بالادارة الامريكية منهم علاء قطب، والدكتور عماد ضياء، وزينب السويج، والدكتور عادل عوض ،والدكتور ليث كبه. وقد أشير في حينه الى ان ادارة غارنر ستستمر لمدة لاتزيد عن ثلاثة اشهر . وقد صدر عن المكتب سلسلة من القرارات منها تعيين مستشارين في الوزارات العراقية المختلفة وعلى سبيل المثال فقد عين الدكتور اندرو بي ان ايردمان Andrew P. N. Erdmann مستشارا لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي
Senior Ministry Advisor, Ministry of Higher Education and Scientific Research
واتذكر بانه اصدر قرارات وتوصيات بشأن انتخاب القيادات الجامعية تضمنت مواصفات الترشيح لرؤساء الجامعات ولعمداء الكليات ولرؤساء الاقسام وشروط الناخبين واجراءات الانتخابات، والتأكيد على حضور ممثل عن الـ ORHA لهذه الانتخابات . وكانت ميزانية المكتب تدفع من ميزانية وزارة الدفاع الامريكية . والملاحظ ان عمر هذا المكتب كان قصيرا حيث تم حله بصورة مفاجئة، وعين السفير بول بريمرpoul primer في مكان جي غارنر، وتم تبديل اسم المكتب الى (سلطة الائتلاف المؤقتة) وهي تدعم من وزارة الدفاع الامريكية .

سلطة الائتلاف المؤقتة :
Coalition Provisional Authority (CPA) وتعرف هذه السلطة اختصارا بـ (CPA). وقد ابتدأ حكم هذه السلطة للعراق من 21 نيسان 2004 الى 28 حزيران 2004، وقد استندت سلطة الائتلاف المؤقتة في حكمها للعراق على قرار مجلس الامن المرقم 1483 (2003) والذي يتيح لها ، حسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المتفق عليها في الامم المتحدة، بسط سيطرتها على السلطات الثلاث في العراق التشريعية والتنفيذية والقضائية. وقد تولى السفير بول بريمرPaul Bremer ادارة السلطة الائتلافية المؤقته ،بأسم مدير سلطة الائتلاف المؤقتة Administrator Coalition Provisional Authority . وكان الى جانبه لفترة السفير جون غرينستوك ممثلا للمملكة المتحدة ، واصدرت السلطة قرارات وقوانين خطيرة بشأن البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والعسكرية العراقية ووثقت هذه القرارات في جريدة الوقائع العراقية وفي اكثر من مجلد وباللغتين العربية والانكليزية ليس هنا مجال مناقشتها ، لكن من المؤكد القول ان تلك القرارات والقوانين تركت اثارها السلبية على مستقبل العراق ووحدة نسيجه الاجتماعي .وقد جاء في العدد 3977 من جريدة الوقائع العراقية (السنة الرابعة والاربعون ) الصادر في 17 حزيران 2003 تقديم السفير بول برايمر لمجموعة القوانين والقرارات التي سوف يصدرها قوله : ((بموجب صلاحياتي كمدير لسلطة التحالف (الائتلاف )المؤقتة ،فأن وزارة العدل ستعيد نشر الوقائع العراقية ،وسوف تنشر فيها الانظمة والاوامر والمذكرات ، والتعليمات الصادرة عن سلطة التحالف المؤقتة ... وبوجب توجيهاتي ،فان السلطة اخذت على عاتقها تعطيل القوانين الظالمة وغير العادلة المفروضة من قبل النظام السابق ...)) .وقد تضمنت الوقائع نص نظام سلطة الائتلاف المؤقته رقم 1 وجاء فيه :(( وفقا لصلاحياتي كمدير لسلطة الائتلاف المؤقته ،وانسجاما مع قرارات مجلس الامن الدولي بما فيها القرار رقم 1483(2003 ) ،وبناء على قوانين واعراف الحرب اعلن بموجب ذلك ما يلي :
1.تمارس السطة الائتلافية المؤقتة سلطات الحكومة مؤقتا من اجل ادارة شؤون العراق بفعالية خلال فترة الادارة الانتقالية بغية استعادة اوضاع الامن والاستقرار وايجاد الظروف التي تمكن شعب العراق من تحديد مستقبله السياسي بحرية ،كما تقوم بتحسين وتعزيز الجهود المبذولة لاعادة بناء وتاسيس المؤسسات الوطنية والمحلية الرامية لتمثيل فئات الشعب، وتسهيل الجهود المبذولة لانعاش النظام الاقتصادي، واعادة البناء وتحقيق التنمية القابلة للاستمرار .
2.يعهد الى السلطة الائتلافية المؤقتة ممارسة كافة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية اللازمة لتحقيق اهدافها ،وذلك بموجب قرارات مجلس الامن ذات الصلة ،بما في ذلك القرار 1483(2003 ) والقوانين والاعراف المتبعة في حالة الحرب ،ويتولى مدير سلطة الائتلاف المؤقتة ممارسة تلك السلطات .
3.يقدم قائد القوات المركزية الاميركية بصفته قائد قوات الائتلاف ،الدعم المباشر الى السلطة الائتلافية ويقوم بردع الاعمال العدائية والمحافظة على وحدة الاراضي العراقية والامن فيها والبحث عن اسلحة الدمار الشامل وتامينها وتدميرها ويساهم بشكل عام في تنفيذ سياسة الائتلاف )) .
وفي الامر الثاني الذي اصدره بريمر اكد بان القوانين التي كانت سارية في العراق اعتبارا من تاريخ 16 نيسان 2003 تبقى سارية المفعول وقابلة للتطبيق بعد هذا التاريخ ،الا اذا قررت السلطة الائتلافية المؤقتة تعليقها او استبدالها بغيرها او تم الغاؤها واقرار تشريعات اخرى تحل محلها تصدرها المؤسسات الديموقراطية في العراق .كما تبقى تلك القوانين سارية المفعول وقابلة للتطبيق طالما انها لاتحول دون ممارسة السلطة الائتلافية المؤقتة لحقوقها والوفاء بالتزاماتها او طالما لاتتعرض مع هذه اللائحة التنظيمية أو مع أية لائحة تنظيمية اخرى تصدر عن السلطة الائتلافية المؤقتة .وفي الامر الاخر قال بريمر ان مدير سلطة الائتلاف المؤقتة سوف يبادر باصدار الانظمة والاوامر كلما دعت الحاجة لذلك في اطار قيامه بتنفيذ السلطات والمسؤوليات المعهودة للسلطة الائتلافية المؤقتة والتعريف بها. وقال ان الاوامر الصادرة عن السلطة ملزمة وتبقى الانظمة والاوامر الصادرة عن السلطة سارية المفعول حتى يقوم مدير السلطة بالغائها او حتى تلغيها وتحل محلها التشريعات الصادرة عن المؤسسات الديموقراطية في العراق .وتكون للانظمة الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة اولوية التطبيق، وترجح على كافة القوانين والمنشورات في حالة عدم تماشي تلك القوانين والمنشورات مع اللوائح التنظيمية والاوامر الصادرة عن السلطة الائتلافية المؤقتة ،ويجوز لمدير سلطة الائتلاف المؤقته القيام من حين لاخر باصدار الاعلانات العامة الموجهة للجمهور .وتنشر تلك الاوامر والانظمة باللغات ذات الصلة( يقصد العربية والكردية والتركمانية والسريانية ) ، وفي حالة نشوء اي اختلاف بين مضمون النص المكتوب باللغة الانكليزية والنص المكتوب باللغات الاخرى يؤخذ النص المكتوب باللغة الانكليزية ويعتد به ،ويجوز للمدير اصدار المذكرات المتصلة بتفسير او تطبيق اي نظام او أمر .وهكذا باتت قرارات بريمر تتوالى ومنها حل( حزب البعث) و(حل الكيانات العراقية) ،واستحداث (تشكيلات جديدة للقوات العراقية ) والاحتفاظ ب (اصول الكيانات المنحلة) بما فيها سجلات تلك الكيانات وبياناتها ،وحل وزارات الدفاع والاعلام والشؤون العسكرية، وجهاز المخابرات، ومكتب الامن القومي ، ومديرية الامن العام، وجهاز الامن الخاص، والمنظمات العسكرية، وهي الجيش والسلاح الجوي والبحرية وقوة الدفاع الجوي والحرس الجمهوري ومديرية الاستخبارات العسكرية وقوات الطوارى والقوات شبه العسكرية وديوان الرئاسة والمجلس الوطني واللجنة الوطنية للالعاب الاولمبية والمحاكم الخاصة ومحاكم الامن الخاص .كما اصدر قرارات لحظر الاسلحة الثقيلة ودعا الى تسليم وجمع الاسلحة واسس ما يسمى( صندوق تنمية العراق) وخول نفسه سلطة الاشراف على تاسيس وادارة واستخدام الصندوق وصرف الاموال نيابة عن الشعب العراقي كما ورد في اللائحة التنظيمية رقم 2 التي اصدرها بريمر في 15 حزيران 2003 وقد اودعت في الصندوق 95%من ايرادات جميع المبيعات التي يصدرها العراق من نفط ومنتجاته وحولت الى الصندوق مبالغ من اموال عراقية كانت مودعة في حسابات فتحت بموجب قرارات مجلس الامن السابقة .وقد اصدر بريمراللائحة التنظيمية بما اسماه (تسوية المطالبات العراقية المتعلقة بالملكية). وفي اللائحة التنظيمية رقم 6 اعترف بمجلس الحكم على انه ((الجهة الرئيسية للادارة العراقية المؤقتة ،الى حين تشكيل حكومة معترف بها دوليا ،ممثلة للشعب العراقي ))وقد حدد العلاقة مع هذا المجلس وقال ان مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة ((وبالتعاون مع الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة (ياخذون )على عاتقهم العمل سوية في عملية التشاور والتعاون لمصلحة الشعب العراقي )) . كما ان مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة طبقا للقرار 1483 يتشاوران وينسقان جميع الامور المتعلقة بالادارة المؤقتة للعراق ،بما فيها سلطات مجلس الحكم .ويؤمر جميع موظفي سلطات الائتلاف المؤقتة،وبشكل حازم، بالاستجابة الى جميع طلبات الخبراء واسداء المعونة التقنية او اي دعم مطلوب من مجلس الحكم .
مجلس الحكم الانتقالي :
شعرت قيادات الاحزاب السياسية التي كان لها دورها في معارضة النظام السابق، وتواجدت انذاك خارج القطر ، ان مصلحتها تقتضي العمل للوصول الى السلطة لذلك عقدت أول اجتماع لها في اواخر نيسان سنة 2003 في بغداد، وحضر الاجتماع زعماء الاحزاب السياسية التالية :
1 . حركة الوفاق الوطني
2 . الحزب الديموقراطي الكوردستاني
3 . حزب المؤتمر الوطني العراقي
4 . المجلس الاعلى للثورة الاسلامية(يعرف الان المجلس الاسلامي العراقي الاعلى)
5 . الاتحاد الوطني الكوردستاني
وقد تقرر في الاجتماع السعي باتجاه ما سمي في حينه ((ارساء اسس ديموقراطية للمجتمع المدني العراقي))، وتشكيل مكتب سكرتارية دائمة لتكون حلقة وصل بين هذه الاحزاب ( الخمسة) ، وكل اطياف الحياة السياسية العراقية .
وبعد الخامس من أيار سنة 2003 ، اضيف الى الاحزاب الخمسة ممثلين عن (حزب الدعوة) ، و (الحزب الشيوعي) و ( تجمع الديمقراطيين المستقلين) . وبعد مناقشات ومداولات بين هذه القوى السياسية، وسلطة الائتلاف المؤقتة ، تقرر تشكيل ما سمي بـ ( الهيئة القيادية ) ، وكلفت هذه الهيئة بالعمل على تشكيل حكومة انتقالية . وقد وافقت الهيئة على صيغة حكم عرفت باسم ( مجلس الحكم الانتقالي) الذي تشكل يوم 13 تموز 2003 من ممثلي الاحزاب السبعة التالية :
1 . الدكتور أيادهاشم علاوي ( حركة الوفاق الوطني)
2 . السيد مسعودمصطفى البارزاني ( الحزب الديموقراطي الكوردستاني)
3 . الدكتور احمدعبد الهادي الجلبي ( حزب المؤتمر الوطني العراقي )
4 . السيد عبد العزيزالسيد محسن الحكيم (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية)
5 . السيد جلال حسام الدين الطالباني ( الاتحاد الوطني الكوردستاني)
6 . السيد حميد مجيد موسى ( الحزب الشيوعي العراقي )
7 . الدكتور محسن عبد الحميد ( الحزب الاسلامي العراقي )
وأضيفت اسماء اخرى لهذه التشكيلة التي اعتمدت مبدأ ( التوافق) و (المحاصصة الطائفية والعرقية ) . ومن الاسماء التي اضيفت الدكتور عدنان مزاحم الباجه جي ، والدكتور محمد بحر العلوم والسيد يونادم كنه والدكتورة عقيلة الهاشمي وبلغ عدد اعضاء مجلس الحكم ( 25) عضوا . وقد حددت مهام مجلس الحكم طبقا لما ورد في بيانه السياسي بما يلي :
1 . توفير الامن والاستقرار للمواطنين
2 . تصفية آثار الاستبداد السياسي، واطلاق مبادرة المصالحة الوطنية
3 . وضع الاسس لنظام ديموقراطي اتحادي تعددي
4 . توفير الخدمات العامة
5 . انعاش الاقتصاد الوطني
6 . تطوير وتأهيل القطاع النفطي
7 . تطوير علاقات العراق الخارجية
ويعد مجلس الحكم،هو ثالث هيئة ادارية تشكلت حسب التسلسل الزمني في العراق عقب الاحتلال الامريكي . وقد تشكل مجلس الحكم بقرار من سلطة الائتلاف المؤقتة في 12 تموز 2003 ومنح صلاحيات جزئية في ادارة شؤون العراق .. وكانت سلطة الائتلاف لاتزال تمتلك الصلاحيات الكاملة حسب قوانين الحرب والاحتلال العسكري المشار اليها آنفا ،وامتدت فترة الصلاحيات المحددة لمجلس الحكم من 12 تموز 2003 حتى الاول من حزيران سنة 2004 حين تم حله بعد تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة .
اعترفت جامعة الدول العربية بمجلس الحكم كممثل شرعي للعراق في الاول من حزيران 2004 وكانت رئاسة المجلس تتم بصورة متناوبة حيث تناوب رؤساء الاحزاب المشاركة بالمجلس على رئاسته ولمدة شهر وكما يلي :
الدكتور محمد بحر العلوم 13 تموز 2003 ـ 31 تموز2003
الدكتور ابراهيم الجعفري 1 آب 2003 ـ 31 آب 2003
الدكتور احمد الجلبي 1 ايلول 2003 ـ 30 ايلول 2003
الدكتور أياد علاوي 1 تشرين الاول ـ 31 تشرين الاول2003
السيد جلال حسام الدين الطالباني 1 تشرين الثاني 2003 ـ 30 تشرين الثاني 2003 الثاني 2003
السيد عبد العزيزالسيد محسن الحكيم 1 كانون الاول 2003 ـ 31 كانون الاول 2003
الدكتور عدنان مزاحم الباجه جي 1 كانون الثاني 2004 ـ 31 كانون الثاني 2003
الدكتور محسن عبد الحميد 1 شباط 2004 ـ 29 شباط 2004
الدكتور محمد بحر العلوم 1 آذار 2004 ـ 31 آذار 2004
(للمرة الثانية)
السيد مسعود مصطفى البارزاني 1 نيسان 2004 ـ 31 نيسان 2004
السيد عز الدين سليم 1 مايس 2004 ـ 17 مايس 2004
الشيخ غازي مشعل الياور 17 مايس 2004 ـ 1 تموز 2004
بالرغم من اعتراف جامعة الدول العربية والولايات المتحدة الامريكية وبعض الدول بمجلس الحكم العراقي كممثل شرعي للعراق، الا ان السلطة الفعلية كانت بيد قوات الاحتلال الامريكية وممثلها في العراق السفير بول بريمر، والذي ابقى بيده سلطة حق نقض ( فيتو) أي قرار يتخذه المجلس في حالة عدم اقتناعه به . وقد استخدم سلطته هذه لاكثر من مرة .. وتعد مذكراته التي صدرت بعنوان: (عامي الذي امضيته في العراق) وثيقة مهمة من وثائق هذه المرحلة الخطيرة من مراحل تاريخ العراق المعاصر .
ومن القرارات والقوانين المثيرة للجدل التي اتخذها مجلس الحكم، قراره بالغاء قانون الاحوال الشخصية واستبداله بقانون جديد يتوافق مع احكام الشريعة الاسلامية كما قيل في حينه ، وقرار اتخاذ يوم سقوط بغداد بيد القوات الامريكية والقوات المتحالفة معها يوم 9 نيسان 2003 عيدا وطنيا ، وقرار تبديل العلم العراقي الذي يحمل عبارة (الله اكبر) بعلم آخر يشبه الى حد ما العلم الاسرائيلي . وقد لاقت كل هذه القرارات استهجانا من قطاعات واسعة من الشعب العراقي ، لذلك لم تجد طريقها الى التنفيذ .
تألف مجلس الحكم من الشخصيات التالية. وقد جاء في نظامه انه ينتخب رئيسه من بين ال(25) عضوا، وحسب حروف الالفباء، ولمدة شهر. وقد عقد اول اجتماع له بعد تشكيله في 13 تموز 2003 واعضاء مجلس الحكم هم :
1 . الدكتور ابراهيم الاشيقر الجعفري
2 . السيد احمد شياع البراك
3 . الدكتور احمد عبد الهادي الجلبي
4 . الدكتور اياد هاشم علاوي
5 . السيد جلال حسام الدين الطالباني
6 . السيد حميد مجيد موسى
7 . السيد دارا نور الدين
8 . السيد عبد الكريم ماهود المحمداوي
9 . السيد عدنان مزاحم الباجه جي
10 . السيدة سلامة الخفاجي
11 . الشيخ غازي مشعل الياور
12 . الدكتور محسن عبد الحميد
13 . الدكتور محمد بحر العلوم
14 . الدكتور محمود عثمان
15 . السيد مسعود مصطفى البارزاني
16 . الدكتور موفق الربيعي
17 . السيد نصير الجادرجي
18 . القاضي وائل عبد اللطيف
19 . السيد يونادم كنا
20 . الدكتور رجاء حبيب الخزاعي
21 . السيد سمير شاكر الصميدعي
22 . السيد صلاح الدين بهاء الدين
23 . السيدة صون كل جابوك
24 . السيد عز الدين سليم
25 . السيد عبد العزيزالسيد محسن الحكيم
لقد كان من بعض صلاحيات مجلس الحكم الموافقة على عدد من التعيينات ، ومن ذلك تعيين الوزراء، وتعيين ممثل دائم للعراق في الامم المتحدة. فضلا عن قيامه بتشكيل لجنة لوضع مسودة لدستور مؤقت سمي فيما بعد ب (قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية)
اكد ( قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) الذي أصدره مجلس الحكم في الثامن من آذار سنة 2004 ،على ان المرحلة الانتقالية تبدأ من 30 حزيران 2004 وتنهي عند تشكيل حكومة عراقية منتخبة بموجب دستور دائم وذلك في موعد اقصاه 31 كانون الاول 2005 . وقد جاء اصدار هذا القانون تنفيذا لاتفاق تم عقده بين مجلس الحكم وسلطة الائتلاف المؤقتة في 15 تشرين الثاني 2003 ويؤسس القانون. كما اعلن انذاك لنظام ( اتحادي) ( ديموقراطي) (تعددي) يتمتع فيه افراد الشعب العراقي قاطبة بالحقوق الاساسية للانسان . ونص على تأكيد الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والمساواة التامة بين الناس بصرف النظر عن الجنس أو المذهب أو الاصل أو الدين وضرورة ضمان الحريات العامة ، وحق الفرد بالتعليم ، والعناية الصحية ، وتوفير الامن وفرص العمل ، وادخال درجة من اللامركزية في ادارة المحافظات مع مراعاة الوضع الراهن في كردستان العراق، واقرار مبدأ السيطرة المدنية على الجيش، وقوى الامن. وقد قيل في حينه ان اللجنة التي اعدت القانون كانت برئاسة الدكتور عدنان الباجه جي .كما قيل ان اللجنة كثيرا ماكانت تستأنس باراء الدكتور نوح فيلدمان وهو رجل متخصص بالقانون الدستوري، ونوح فيلدمان اميركي من أصل عراقي يهودي . تألف القانون من (9) ابواب هي على التوالي: ( المباديء الاساسية ، الحقوق الاساسية ، الحكومة العراقية الانتقالية ،السلطة التشريعية الانتقالية ، السلطة التنفيذية الانتقالية ، السلطة القضائية الاتحادية ، المحكمة المختصة والهيئات الوطنية ، الاقاليم والمحافظات والبلديات والهيئات المحلية ، المرحلة ما بعد الانتقالية ) . وقد تضمنت الديباجة ما يدل على ان القانون أقر ((لادارة شؤون العراق خلال المرحلة الانتقالية الى حين قيام حكومة منتخبة تعمل في ظل دستور شرعي دائم سعيا لتحقيق ديموقراطية كاملة )) . وان القانون يعد ((القانون الاعلى للبلاد ، ويكون ملزما في انحاء العراق كافة ، وبدون استثناء))، واقر بان من اختصاصات الحكومة العراقية الانتقالية ما يلي :
أ . رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي ، والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية وسياسات الاقتراض السيادي .
ب . وضع وتنفيذ سياسة الامن الوطني ، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادامتها لتأمين وحماية وضمان أمن حدود البلاد والدفاع عن العراق .
ج . رسم السياسة المالية ، واصدار العملة ، وتنظيم الكمارك وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ، ووضع الميزانية العامة للدولة ،ورسم السياسة النقدية وانشاء بنك مركزي وادراته .
د . تنظيم امور المقاييس والاوزان ورسم السياسة العامة للاجور، وادارة الثروات الطبيعية للعراق والتي تعود لجميع ابناء الاقاليم والمحافظات في العراق بالتشاور مع حكومات وادارات هذه الاقاليم والمحافظات ،وتوزع الواردات الناتجة عن هذه الثروات عن طريق الميزانية العامة وبشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد ، مع الاخذ بنظر الاعتبار المناطق المحرومة ومعالجة مشاكلها واحتياجاتها بشكل ايجابي .
و . تنظيم سياسة الاتصالات .
وقد نصت المادة (26) من الباب الثالث على ان القوانين النافذة في العراق في 20 حزيران 2004 ستبقى سارية المفعول الا اذا نص القانون هذا على خلاف ذلك وعندئذ تقوم الحكومة العراقية الانتقالية بالغائها وتعديلها ووفقا لهذا القانون . كما ان القوانين والانظمة والاوامر والتعليمات الصادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة ستبقى نافذة المفعول الى حيت الغائها او تعديلها بتشريع يصدر حسب الاصول ويكون لهذا التشريع قوة القانون .
ونص القانون في بابه الرابع على (السلطة التشريعية) وقال في المادة (30) ان لدولة العراق خلال المرحلة الانتقالية، سلطة تشريعية تعرف باسم ( الجمعية الوطنية) ومهمتها الرئيسية هي تشريع القوانين والرقابة على عمل السلطة التنفيذية .. أما (السلطة التنفيذية) فتتكون من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ورئيسه في حين يكون القضاء مستقلا ولا يدار باي شكل من الاشكال من السلطة التنفيذية ويجري العمل لتشكيل محكمة في العراق باسم المحكمة الاتحادية العليا يكون اختصاصها الحصري والاصيل النظر في الدعاوي بين الحكومة العراقية الانتقالية وحكومات الاقاليم وادارات المحافظات والبلديات والادارات المحلية وتتكون المحكمة من تسعة قضاة ويكون الى جانب ذلك مجلس اعلى للقضاء يتولى دور (مجلس القضاة) ويشرف على القضاء في العراق . كما تؤسس في العراق هيئات وطنية لحقوق الانسان وللنزاهة العامة وهيئات اخرى منها الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية والهيئة الوطنية لاجتثاث البعث .ويؤسس تصميم النظام الاتحادي في العراق بشكل يمنع تركيز السلطة في الحكومة الاتحادية ويعترف القانون بحكومة اقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للاراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2002 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى على ان تبقى حدود المحافظات العراقية الثمانية عشر بدون تبديل خلال المرحلة الانتقالية .
الحكومة العراقية المؤقتة :
تعد الحكومة العراقية المؤقتة هي السلطة الرابعة التي تشكلت في العراق عقب الاحتلال. وقد حلت هذه الحكومة محل ( سلطة الائتلاف المؤقتة) و ( مجلس الحكم ) .. ومع ان الولايات المتحدة الامريكية، اعترفت بالحكومة المؤقتة، كممثل شرعي للعراق الا ان الادارة الامريكية، من خلال السفارة الامريكية وقيادة القوات الامريكية في العراق ،احتفظت بصلاحيات واسعة وكانت هي صاحبة القرار اثناء فترة الحكومة المؤقتة .. وقد تضمنت( الحكومة العراقية المؤقتة )رئيسا للجمهورية هو غازي مشعل الياور ونائبان للرئيس هما الدكتور ابراهيم الاشيقر الجعفري وروز نوري شاويس والى جانبهم رئيس للوزراء هو الدكتور ايادهاشم علاوي الذي تم اختياره بعد تصويت داخلي قام به اعضاء مجلس الحكم وكان الاعتقاد السائد ان الاختيار تم حسب توصية مبعوث الامم المتحدة الخاص في العراق انذاك السيد الاخضر الابراهيمي ، الا ان الابراهيمي صرح فيما بعد لجريدة نيويورك تايمز بانه تم الضغط عليه من قبل السفير بول بريمر لتزكية علاوي لهذا المنصب وقد استقال الابراهيمي من مهمته بعد اسبوعين من اختيار علاوي بسبب ما وصفه بـ (المصاعب الجمة والاحباط ) الذي كان يعانيه . وقد كان للدكتور علاوي باعتباره رئيسا للوزراء نائب واحد هو الدكتور برهم صالح . وقد تألفت الحكومة المؤقتة من (30) وزيرا وست وزيرات وخمس وزراء للدولة . وقد واجهت هذه الحكومة مشاكل جمة ، أمنية، واقتصادية ،وسياسية .
الحكومة العراقية الانتقالية :
حلت الحكومة العراقية الانتقالية محل الحكومة العراقية المؤقتة في الثالث من مايس 2005، وتم التصديق على هذه الحكومة من قبل ما كان يسمى بـ ( الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة) في 28 نيسان 2005 . وقد بدأت هذه الفترة الانتقالية والتي يقصد بها الانتقال التدريجي بالعراق الى حكومة وبرلمان دائميين ، بانتخابات ( الجمعية الوطنية العراقية المؤقتة) في 30 كانون الثاني 2005 حيث صوت العراقيون لاختيار(275) عضوا في الجمعية الوطنية الانتقالية . وقد جرت مع هذه الانتخابات كذلك عملية الاقتراع على ( مجالس المحافظات) الـ (18) العراقية ، والاقتراع على ( المجلس الوطني الكردستاني) المعروف ب ( برلمان اقليم كردستان) في شمال العراق . وقد تم اعتبار العراق في هذه الانتخابات دائرة انتخابية واحدة، وقدمت الاحزاب السياسية قوائم باسماء مرشحيها ، وثم توزيع المقاعد عن طريق التمثيل النسبي أي ان كل حزب أو جماعة سياسية ستحصل على مقاعد في الجمعية الوطنية تماثل نسبيا عدد الاصوات التي حصلت عليها .
كانت المهمة الرئيسة للجمعية الوطنية الانتقالية، هي اختيار( مجلس الرئاسة) مكونا من رئيس للجمهورية ونائبان. ويقوم مجلس الرئاسة باختيار( رئيس الوزراء) . وقد تم اختيار السيد جلال حسام الدين الطالباني رئيسا للجمهورية والشيخ غازي مشعل الياور، والدكتور عادل عبد المهدي المنتفكي نائبين له وقام الثلاثة باختيار الدكتور ابراهيم الجعفري ليكون رئيسا للوزراء .
كان من المهام الرئيسية لهذه الحكومة ما يلي :
1 . الاعداد لاجراء الانتخابات واختيار برلمان وحكومة دائمية في العراق مدتها 4 سنوات
2 . التصديق على مسودة الدستور الدائم
تولى الدكتور ابراهيم الجعفري رئاسة الوزراء ، واصبح له نائبان هما الدكتور احمدعبد الهادي الجلبي، وعبد مطلك الجبوري. كما اختير حاجم الحسني رئيسا للجمعية الوطنية. وقد استغرق الاتفاق على تسمية رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني ونائبيه الشيخ غازي الياور والدكتور عادل عبد المهدي عدة اسابيع .. وتغلب مبدأ التوافق والمحاصصة في توزيع المناصب والمهام والمسؤوليات . وقد قدم الدكتور الجعفري اول مايس 2005 برنامج حكومته الى الجمعية الوطنية والذي اتسم بالغموض وغلب عليه الطابع الانشائي ، وافتقد الالتزامات المحددة. ومع ان البرنامج حمل اهدافا واسعة وكبيرة، الا ان موقف الحكومة من تصفية تركة الاحتلال لم يكن واضحا، ولم يتضمن البرنامج أية حلول للتدهور في خدمات الماء والكهرباء والمشتقات النفطية والنقل . كما افتقر البرنامج الى الفلسفة التربويةوالافتصادية والسياسية، والنظرة الجادة لتفعيل دور الفكر والثقافة .
قبل الانتخابات قدمت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق التقديرات التالية :
• عدد نفوس العراق هو بحدود 27 مليون نسمة
• عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت هو 14,2 مليون ناخب
• عدد الكيانات السياسية المشاركة في الانتخابات هو 223 كيانا
• عدد الائتلافات السياسية المشاركة هو (35) ائتلافا
• عدد المراكز الانتخابية في عموم العراق هو 5578 مركزا وفي خارج العراق 75 مركزا
أما أبرز القوائم التي شاركت في الانتخابات فهي .
• قائمة الائتلاف العراقي الموحد وضمت (140) اسما في مقدمتهم السيد عبد العزيز الحكيم
• قائمة التحالف الكردستاني وضمت (175) اسما في مقدمتهم السيد جلال حسام الدين الطالباني
• قائمة عراقيون وضمت (5) اسماء في مقدمتهم الشيخ غازي مشعل الياور
• القائمة العراقية وضمت (40) اسما في مقدمتهم الدكتور ايادهاشم علاوي .
حصلت قائمة الائتلاف العراقي الموحد على اغلبية الاصوات وبنسبة (48%تقريبا) ، ولم تكن هذه الاغلبية كافية لتشكيل الحكومة مما حدا بالقائمة الى التحالف مع قائمة التحالف الكردستاني .
التصويت على الدستور:
في 15 تشرين الاول 2005 شهد العراق الاقتراع الثاني في الانتخابات بعد الاحتلال حيث صوت العراقيون على مشروع الدستور العراقي . وكان من المرجح حتى قبل بدء التصويت ،ان تضمن المحافظات ذات الاغلبية الشيعية والكردية ، التي تمثل قرابة ثلاثة ارباع عدد الناخبين البالغ عددهم نحو 15 مليونا ، تحقيق الاغلبية المطلوبة الدستور ، ولكن مجرد تصويت ثلثي الناخبين في ثلاث فقط من محافظات العراق الثماني عشرة بالرفض كانت تعني سقوط الدستور . وكان التصويت على الدستور بمثابة مقدمة لاجراء انتخابات برلمانية جديدة في كانون الاول 2005 لاختيار مؤسسات وحكومة دائمية مدتها 4 سنوات .
جرت عملية الاقتراع وسط اجراءات أمنية مشددة، واغلقت الحدود، وعد السفير الامريكي زلماي خليل زاد نجاح الاستفتاء عنصرا اساسيا لانسحاب القوات الامريكية من العراق .
وفي 25 تشرين الاول 2005 أي بعد (10) ايام من الاقتراع اعلنت اللجنة العليا المستقلة للانتخابات في العراق ان نحو 78% من الناخبين صوتوا بنعم للدستور فيما رفضه 21% وقد رفضت معظم المحافظات ذات الاكثرية السنية الدستور فمحافظة صلاح الدين ومحافظة الانبار صوتتا باغلبية تبلغ 81% و96% على التوالي ب(لا) للدستور الا ان قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية اشترط رفض ثلاث محافظات باغلبية الثلثين لمشروع الدستور لكي يتم رفضه وكانت محافظة نينوى هي الفيصل في اقرار الدستور من عدمه، ولكن محافظة نينوى صوتت ب (لا) للدستور بنسبة 55% وهي أقل من نسبة الثلثين اللازمة لرفض الدستور . ومهما يكن من امر فان المشروع قد أقر، واصبحت الخطوة القادمة اجراء انتخابات برلمانية يوم 15 كانون الاول 2005 بهدف تكوين مجلس نواب له صلاحيات دستورية كاملة لدورة تستمر اربع سنوات .
مجلس النواب الجديد:
جرت الانتخابات يوم 15 كانون الثاني 2005 وهي ثالث اقتراع للعراقيين بعد الاحتلال وبعد اجراء انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية التي انبثقت عنها (الحكومة العراقية الانتقالية) وبعد التصويت على الدستور العراقي الدائم الذي تم في 15 تشرين الاول 2005 . وقد تم اختيار 275 عضوا في ( مجلس النواب العراقي) وهو التسمية الجديدة للجمعية الوطنية الانتقالية .. وكان على مجلس النواب الجديد القيام بتشكيل حكومة دائمة تتولى السلطة لمدة اربع سنوات .
اعلنت نتائج الانتخابات في 20 كانون الثاني 2006، وجاء في تقرير المفوضية المستقلة للانتخابات ان قائمة الائتلاف في العراق الموحد حازت على (128) مقعدا من العدد الاجمالي لمقاعد مجلس النواب، وحلت قائمة التحالف الكردستاني بالمرتبة الثانية حيث حصلت على (53) مقعدا . أما جبهة التوافق فحصلت على (44) مقعدا وحلت بالمرتبة الثالثة وقد بدأت الخطوات لتشكيل حكومة اطلق عليها حكومة وحدة وطنية .


الحكومة العراقية الدائمة أو المنتخبة :
بعد ازمة سياسية استمرت قرابة (4) اشهر، نتيجة تمسك الدكتور ابراهيم الجعفري رئيس الوزراء المنتهية ولايته بمنصبه، واعتراض البعض على ترشحه لرئاسة الوزراء، كلف السيد جلال حسام الدين الطالباني رئيس الجمهورية يوم 22 نيسان السيد نوري كامل المالكي(عرف قبل ذلك بأبو اسراء جواد المالكي ) بتشكيل حكومةوصفها التكليف بان تكون ((قادرة على التعاطي مع مشاكل البلد الامنية والاقتصادية، ومواجهة الفساد الاداري، ورفع الظلم عن كافة شرائح المجتمع العراقي )) . وقال مسؤولون في قائمة الائتلاف العراقي الموحد يوم 21 نيسان 2006 ان المالكي حصل داخل الائتلاف في مواجهة الدكتور ابراهيم الجعفري على تأييد (6) اصوات من بين (7) اصوات .
صادق مجلس النواب على ترشيح السيد نوري كامل المالكي في جلسة خاصة عقدت يوم 22 نيسان 2006 . والمالكي من مواليد مدينة الحلة سنة 1950، وكان جده( محمد حسن ابو المحاسن) وزيرا للمعارف في العراق أبان السنوات الاولى من المحكم الملكي (1921 ـ 1958) . ويحمل شهادة الماجستير في اللغة العربية من كلية اصول الدين بجامعة صلاح الدين باربيل وقد كتب رسالته حول ديوان شعر جده وباشراف الاستاذ الدكتور فؤاد معصوم ،وكان معروفا بمعارضته للنظام السابق، وقد عاش فترة لجوءه في دمشق بسوريا ،وهو منتم الى حزب الدعوة الاسلامية . تألفت حكومة المالكي من (40) وزيرا ووزيرة .

خاتمة وملاحظات :
من الطبيعي ان ترتبط عملية صنع القرار السياسي في أية دولة من الدول بعدد من العوامل الداخلية والخارجية المرتبطة بالموقع الجغرافي ، والظروف السياسية ، والواقع الاقتصادي ، والوضع الاجتماعي . ومن المفروض ان تؤمن عملية صنع القرار ، الاهداف العليا للدولة ، وطبيعة نظامها السياسي، وتوجهاتها العقائدية .
وفيما يتعلق بالعراق ، فقد لاحظنا انه شهد منذ الاحتلال الاميركي ، واسقاط النظام السابق في التاسع من نيسان 2003، هياكل ومؤسسات وادارات عديدة قامت بصنع القرار السياسي ليس على المستوى النظري وحسب بل وعلى المستوى العملي التطبيقي كذلك .. ويمكننا القول انه بعد صدور الدستور، والاستفتاء عليه فان صنع القرار السياسي كان من خلال المؤسسات التالية :
1 . مجلس النواب : وهو المؤسسة الدستورية التي تمارس السلطة التشريعية، ويتكونالمجلس من (275) عضوا يمثلون الشعب العراقي باكمله ويتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر . ويختص مجلس النواب بما يأتي :
أولا : تشريع القوانين
ثانيا : الرقابة على أداء السلطة التنفيذية
ثالثا : انتخاب رئيس الجمهورية
رابعا : المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية
2 . مجلس الاتحاد : و يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.ولاوجود دستوري لهذا المجلس في العراق لحد الان .

3 . رئيس الجمهورية : وهو رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن يمثل سيادة البلاد ،ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور ، والمحافظة على استقلال العراق وسيادته ، ووحدته ، وسلامة اراضيه وفقا لاحكام الدستور ولرئيس الجمهورية صلاحيات محددة مقتصرة وبروتوكولية على اصدار العفو الخاص بتوصية من رئيس مجلس الوزراء والمصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بعد موافقة مجلس النواب واصدار القوانين التي يسنها مجلس النواب، ومنح الاوسمة والنياشين بتوصية من رئيس مجلس الوزراء .ويتضح من مراجعة صلاحيات رئيس الجمهورية ان السلطة الفعلية في العراق بيد مجلس الوزراء ورئيس الوزراء خاصة وان رئيس الوزراء هو القائد العام للقوات المسلحة .

4 . مجلس الوزراء : وقد نص الدستور على ان رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء، ويتولى( رئيس الوزراء) تسمية اعضاء وزارته، ويمارس مجلس الوزراء صلاحيات واسعة هي :
أولا : تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة
ثانيا : اقتراح مشروعات القوانين
ثالثا : اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين
رابعا : اعداد مشروع الموازنة العامة والحساب الختامي وخطط التنمية
خامسا : التوصية الى مجلس النواب بالموافقة على تعيين وكلاء الوزارات والسفراء واصحاب الدرجات الخاصة ورئيس اركان الجيش ومعاونيه ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق ورئيس جهاز المخابرات الوطني ورؤساء الاجهزة الامنية والتفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية والتوقيع عليها أو من يخوله وتكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية .

6 . مجلس القضاء الاعلى : وهو ضمن السلطة القضائية حسبما تشير الى ذلك نصوص الدستور، ويتولى ادارة شؤون الهيئات القضائية .
7 . المحكمة الاتحادية العليا : وهي هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا وتتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون وتختص بالرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والفصل في المنازعات التي تحصل بين حكومات الاقاليم والمحافظات وكذلك الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء . ولم تشكل هذه المحكمة في العراق حتى كتابة هذه السطور .
والى جانب هذه التشكيلات فان هناك هيئات مستقلة ماليا واداريا لها دور في صنع القرار السياسي منها: المفوضية العليا لحقوق الانسان ، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وهيئة النزاهة، وهيئة اجتثاث البعث، والبنك المركزي، وديوان الرقابة المالية، وهيئة الاعلام والاتصالات، ودواوين الاوقاف، ومؤسسة الشهداء، وبيت الحكمة، ومجلس الخدمة العامة الاتحادية .
وقد نص الدستور على ان من مهام الحكومة الاتحادية، الحفاظ على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديموقراطي الاتحادي. وتختص السلطات الاتحادية برسم السياسة الخارجية ،ووضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، ورسم السياسة المالية ،وتنظيم امور الجنسية والتجنس، ووضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية، وتخطيط السياسات المتعلقة بالمياه وادارة النفط والغاز، ورسم السياسات اللازمة لتطويرها بالتعاون مع حكومات الاقاليم والمحافظات .
وثمة اختصاصات مشتركة بين الحكومة الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات منها ما يتعلق بادارة الكمارك ، ومصادر الطاقة الكهربائية، ورسم السياسات البيئية والتنموية، والصحية، والتعليمية والتربوية ،والموارد المائية .
وقد أقر الدستور بوجود اقليم كردستان وسلطاته القائمة اقليما اتحاديا، واكد ان النظام السياسي في العراق، يتكون من عاصمة واقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية، ويحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم بناء على طلب بالاستفتاء يقدم باحدى طريقتين: اولهما طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم وطلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم ولسلطات الاقاليم والمحافظات حصة عادلة من الايرادات المحصلة اتحاديا ،ولها الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية باستثناء ما ورد في الدستور من اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية.
وقد اعطى الدستور الحق لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين ، أو لخمس اعضاء مجلس النواب في اقتراح تعديل الدستور، ومنع المسؤولين ابتداء من رئيس الجمهورية والوزراء وحتى اصحاب الدرجات الخاصة من استغلال نفوذهم في شراء او استئجار أي شيء من اموال الدولة، واقر استمرارالمحكمة الجنائية العراقية العليا باعمالها بوصفها هيئة قضائية مستقلة. كما اكد على مواصلة الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث اعمالها .. وقد وضع الدستور في احكامه الانتقالية بعض التحديدات منها ان تعبير( مجلس الرئاسة) يتألف من رئيس الجمهورية ونائبيه، ويتخذ هذا المجلس قراراته بالاجماع، ولايجوز لاي عضو أن ينيب أحد العضوين الاخرين مكانه ومن صلاحياته الموافقة على القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب .
ويمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية . وقد ألغى الدستور (قانون ادارة الدولة العراقية للمحرحلة الانتقالية وملحقه).
فضلا عن الهيئات التي اشار اليها الدستور ، فلا يمكن اغفال الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات التي تعبر عن الرأي العام العراقي والمتمثلة بالصحافة والاعلام وجماعات الضغط بانواعها المختلفة، والمنظمات غير الحكومية المعروفة بمنظمات المجتمع المدني في صنع القرار السياسي، ولكن ذلك لايزال في العراق محدودا وضيقا .
على المستوى العملي والتطبيقي ، فان أي احد لايمكن ان يتغافل عن الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الامريكية من جهة والامم المتحدة من جهة اخرى في صنع القرار السياسي في العراق .ففيما يتعلق بالولايات المتحدة الامريكية فان تدخلاتها في صنع القرار السياسي العراقي معروفة، وتتم عبر قنوات عديدة منها قيادة الاركان للقوات المتعددة الجنسيات، والسفارة الامريكية، وحتى الكونغرس الامريكي فان له رأي في كثير مما يحدث في العراق والامثلة على ذلك عديدة ومنها القرار الذي صدر عن مجلس النواب المتمثل بالدعوة الى تقسيم العراق الى ثلاث كيانات طائفية وعرقية .. ومن الطريف الاشارة هنا الى ان السناتور جون بايدن ، الذي قدم قرار التقسيم اعترض غاضبا على منتقدي مشروعه من المسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم السيد نوري المالكي رئيس الوزراء قائلا: ((من يظنون انفسهم بحق الجحيم ليقولوا لنا ليس من حقنا ان نبدي رأينا !! ... لقد صرفنا من دمنا ومن مالنا لدعمهم بالالتزام بالدستور ، هكذا كان العقد معهم )) .
أما الامم المتحدة ومجلس الامن في المقدمة ، فهي فضلا عن القرارات السابقة التي اصدرتها وخاصة التي اصدرها مجلس الامن بخصوص اخضاع العراق للفصل السابع والقرارات المتعلقة بحظر الطيران في المناطق الشمالية والجنوبية ، فانها راحت تمارس بعد الاحتلال دورا بارزا في العملية السياسية خاصة بعد صدور قرار مجلس الامن رقم 1483 الذي اعترف صراحةبالاحتلال الاميركي، ثم القرار 1546 الذي ينهي رسميا الاحتلال ويضع جدولا زمنيا لاجراء انتخاب الحكومة الانتقالية ،وكلنا يعرف الدور الذي قام به مبعوث الامين العام للامم المتحدة ،السيد الاخضر الابراهيمي في عملية التشكيل النهائي للحكومة الانتقالية الجديدة وتحديد الملامح الاساسية فيها من خلال اللقاءات النتعددة التي اجراها مع سلطة الائتلاف واعضاء مجلس الحكم وخرج بعد ذلك باسماء معينة توضح التشكيلية الوزارية ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء حيث ان كل هذا تم اختياره وترشيحه بناء على اعتبارات معينة ذات طابع استراتيجي متوسط وبعيد المدى متمثلة بعدم تهميش دور الامم المتحدة في حل القضايا الدولية وخاصة العراق وانهاء حالة اللاستقرار للوضع فيه الذي يمر في العراق وما الى ذلك من اثار سلبية عربيا واقليميا ودوليا وتوثيق الصلة بما يسمى الشرعية الدولية .ومن اجل اضفاء الشرعية على الحكم العراقي اخذت الامم المتحدة على عاتقها ان تكون طرفا رسميا للتنسيق .كما ارتأت ان تقوم بدور استشاري في المهام الجسيمة التي على الحكومة العراقية القيام بها والتي يمكن تحديدها بما يلي :
1.ان تعم الديموقراطية الحقة بين فئات واحزاب العراق المختلفة .
2.ان تضع اسسا ناجحة لتحديد صيغة العلاقة بين الجهات السياسية العراقية المستندة الى فتح الحوار الايجابي بين الجميع .
3.حل المشاكل الممكن او المحتمل ظهورها باسلوب التفاهم الحريص مع ضرورة وضع احكام عملية تحول دون اختراق الدولة العراقية الجديدة من قبل ما سمي بـ (العناصر الارهابية) التي تحاول ان تعكر صفو الامن الذي اصبح الضرورة الاساسية للشعب العراقي في الوقت الحاضر .. وقد توج دور الامم المتحدة باصدار (وثيقة العهد الدولي) والتي اكدت دعم الحكومة العراقية في اعادة الاعمار، وتطوير الاقتصاد في مقابل تفعيل مشروع المصالحة الوطنية وتوسيع المشاركة السياسية . وقد تبنى المؤتمر الوزاري، لدول جوار العراق ومصر مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن ومجموعة الثمانية، في يوم 4 مايس 2007 هذا العهد . وقد شملت الوثيقة نصوصا دعت الى ((التعريف باهداف ورؤية الحكومة العراقية والاطر السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق هذه الرؤية والالتزامات المتبادلة بين الحكومة والمجتمع الدولي )) . وتركز الوثيقة بشكل مفصل على الجوانب الاقتصادية. ووفقا للوثيقة تهدف الرؤية الى جعل العراق دولة ديموقراطية فيدرالية موحدة تتمتع بالامن والاستقرار ويتساوى مواطنوها ، وانشاء اقتصاد قوي بناء على قواعد السوق الحر، وتوفير معايير ملائمة من الخدمات الاجتماعية العامة للمواطنين ودمج العراق بفاعلية في المحيطين الاقليمي والدولي على اساس الاحترام المتبادل)) . وتقدم وثيقة العهد ((اولويات تحقيق التنمية في جملة من الاجراءات أبرزها تحقيق المصالحة الوطنية ، وتحسين الاوضاع الامنية ، والحكم الرشيد ، والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية)) . ويتولى السيد ستافان دي ميستورا ممثل الامم المتحدة الحالي(تشرين الثاني 2007 ) في العراق مهمة تفعيل دور الامم المتحدة في تنفيذ العهد الدولي .وقد استقبله السيد نوري المالكي رئيس الوزراء يوم 22 تشرين الثاني2007 في بغداد ودعاه الى التعاون من اجل اخراج العراق من الفصل السابع لان العراق ،على حد قول المالكي ،يسعى الى تحقيق السيادة الكاملة على اراضيه، ويحترم علاقاته مع دول الجوار وبقية العالم ويرفض نهج الحروب .وجدد ميستورا استمرار دعم الامم المتحدة للعراق والوقوف بجانب الحكومة لتحقيق طموحات الشعب العراقي وتطلعاته .
والى جانب الامم المتحدة فان لجامعة الدول العربية وجهة نظر متطابقة مع ما جاء في وثيقة العهد ، فالجامعة أيدت الحكومة العراقية وهي تعد تشكيلها ودعمها خطوة نحو تحقيق الامن والاستقرار ليس في العراق وحسب بل وفي المنطقة كلها . ولم يكن الاتحاد الاوربي بعيد عن ذلك ، فلقد اكد ولايزال يؤكد على ضرورة جعل الحكومة العراقية تحت مظلة الامم المتحدة وبمساعدة الدول الحليفة حتى ان المتحدث الرسمي باسم وزير الخارجية الهولندي وصف الحالة التي يمر بها العراق بقوله: ((ان نقل السلطة للعراقيين وتسلمهم لمقاليد الامور ، واعطائهم حق في بقاء القوات الاجنبية أمر ايجابي بجانب وجود دور قيادي للامم المتحدة، واستخدام الاخيرة الحق الشرعي في بقاء القوات الاجنبية بجانب دورها في الانتخابات كلها نقاط ايجابية )) . وقد عقدت مؤتمرات عديدة منها مؤتمر شرم الشيخ الاول ومؤتمر شرم الشيخ الثاني لمساعدة الحكومة العراقية في مهامها .
نخلص من كل ما مر الى ان صنع القرار السياسي في العراق،لايزال يواجه الكثير من الارتباك والغموض. فضلا عن تعددية مصادره واضطرابها وتناقضها بين بعضها البعض .هذا فضلا عن ان الحكومة العراقية لاتزال تواجه انتقادا شديدا ليس من بعض القوى العراقية المعارضة وغير المعارضة وانما من قبل عدد من المسؤولين الاميركيين السابقين والحاليين، وتتركز هذه الانتقادات على ان الحكومة العراقية لم تتخذ لحد الان قرارات حاسمة بشان( اجراء المصالحة الوطنية) و(تقديم الخدمات لمواطنيها) و(تبني دبلوماسية خارجية متوازنة ازاء دول الجوار) . ويمكن ان نضرب امثلة على التناقضات والتضارب في المواقف بين مصادر القرار السياسي العراقي، منها الموقف المتضارب بين مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء حول الفيدرالية، وقانون النفط والغاز، وصلاحية التصديق على قرارات المحكمة الجنائية العليا، والموقف من قانون المساءلة والعدالة ، والموقف من الشركات الامنية الاجنبية الخاصة، والموقف من دستورية المحكمة العليا الاتحادية، والموقف من مجالس الصحوة، والموقف من تسليح العشائر ،والموقف من دمج الميليشيات في اجهزة الدفاع والامن .
أزاء التضارب في المواقف هذه واتهام المالكي من قبل بعض الاطراف السياسية المشتركة معه في الحكم ، باحتكار صنع القرار، اتفق قادة الكتل السياسية على تشكيل( المجلس السياسي للامن الوطني) (آب 2007). وقد عقد هذا المجلس ولايزال، الكثير من الاجتماعات بهدف تسريع عمل مجلس الوزراء، وضرورة الاتفاق على نظام داخلي ينظم اعماله، والاسهام في مناقشات متصلة بالقوانين التي تحقق مصلحة وطنية عليا من قبيل مشروع قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة ومشروع قانون المحافظات غير المنظمة في اقليم لما لهذه القوانين من آثار تنعكس على مجمل العملية السياسية في العراق . وقد اصدر القادة السياسيون بيانا ختاميا في 26 آب جاء فيه: ((بأن القادة السياسيين العراقيين عقدوا سلسلة من الاجتماعات في ظل الظروف الراهنة والحرجة التي يمر بها وطننا ،والتي تقتضي العمل الجاد من كافة الاطراف من اجل وضع الحلول لتجاوز الازمات السياسية والادراية والاقتصادية والامنية على اساس مراجعة الفترة السابقة من عمل حكومة الوحدة الوطنية، والعمل من اجل مشاركة أوسع القوى في العملية السياسية، وعلى طريق استتباب الامن ، وبناء الاستقرار ، وتعميق روحية المواطنة ، والانتماء الوطني، ورص الصفوف، وقد قرر الاجتماع اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز المشاركة في القرار والمسؤولية وتسهم في عملية تحسين الاداء الحكومي وتسهيل اقرار القوانين الضرورية، وحل المشاكل المعقدة وتوحيد وجهات النظر بخصوص التعديلات الدستورية وقوانين النفط والغاز والموارد المائية وتشكيل اللجان الضرورية لتحقيق التوازن الوطني في مؤسسات الدولة .
وقد اكد القادة على اهمية انعقاد الاجتماعات الدورية بين رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الوزراء لتدارس القضايا الاستراتيجية المهمة والعامة والاتفاق عليها ومتابعة الشؤون التفصيلية والفنية واليومية من قبل رؤساء دواوين الرئاسات، ومدراء المكاتب، وتشكيل لجنة مشتركة داخل مجلس النواب من رؤساء الكتل النيابية تأخذ على عاتقها متابعة القضايا الاساسية والمهمة، واتخاذ المواقف الموحدة تجاه مشاريع القوانين المتفق عليها وتسهيل عملية اقرارها وفق القواعد والانظمة البرلمانية .
وقد تطلع القادة الى أهمية ان يربط بين تجديد قرار مجلس الامن 1723 لمدة سنة، مع انهاء خضوع العراق لاحكام الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة ، واستعادة العراق كامل وضعه الطبيعي كدولة كاملة السيادة والصلاحيات واسترجاعه لوضعه القانوني الدولي ، أي الحالة التي كان عليها قبل صدور قرار مجلس الامن رقم 661 في سنة 1990. وفي هذا السياق اكد القادة ضرورة الوصول مع الجانب الامريكي الى علاقة طويلة الامد تستند الى المصالح المشتركة ، وتغطي مختلف المجالات بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الامريكية وهو هدف يفترض تحقيقه خلال الفترة القصيرة الامد .
ولا يمكن ان نتغافل عن الدور الذي تقوم به القوى المقاومة للاحتلال ودعوتها المستمرة الى انسحاب القوات الامريكية أو جدولة انسحابها على اقل تقدير، واعتراف السفير الامريكي الاسبق زلماي خليل زاد بوجود لقاءات مع عدد من قيادات المقاومة العراقية، واصدار المكتب الصحفي لرئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني يوم 11 نيسان 2006 بيانا جاء فيه ان الرئيس جلال الطالباني اكد بـ (( اننا نحاول كسب العناصر المسلحة ونعمل على اقناعهم بأن ينضموا الى العملية السياسية)). كما ان الدكتور برهم صالح عضو التحالف الكردستانيونائب رئيس الوزراء ، صرح في 20 نيسان 2006 ((ان الرئيس الطالباني مستمر في مباحثاته مع الجماعات المسلحة لضمها الى العملية السياسية)) . وتاتي التصريحات العراقية والامريكية تلك بعد تفاقم الاوضاع الامنية، وتدهور الخدمات، وعجز قادة الاحزاب السياسية القائمة على ايجاد السبل للخروج من الازمة .
اذا كان القرار الدولي رقم 1483 قد نص صراحة على دور الامم المتحدة في مساعدة الشعب العراقي على تنظيم سلطته الوطنية ، والقرار الدولي رقم 1546 ينهي رسميا الاحتلال الامريكي بعد وضع جدول زمني لاجراء انتخابات الحكومة الانتقالية ، فان على العراقيين اليوم صنع قراراتهم السياسية وفق مصلحة بلدهم الوطنية اولا ومستقبل اجيالهم القادمة ثانيا، وهذا لايأتي الا بوضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال ، والاعتراف بشرعية المقاومة وضرورتها، والسعي المستمر لبناء الجيش الوطني، واعادة صياغة الدستور، وحل الاشكالات المختلف عليها ،ووضع فلسفة محددة للدولةتاخذ المصالح الوطنية العليا بنظر الاعتبار، ودعوة كل القوى العراقية الى مؤتمر للمصالحة، ووضع ميثاق شرف مشترك من جميع الاطراف يبنى على اساس مصلحة العراق وتقدمه اولا واخيرا، وهذا بدون شك، يتطلب جملة من الاستحقاقات التي ينبغي ان يلتزم بها صانع القرار السياسي في العراق وفي مقدمة ذلك التأكيد على( فكرة المواطنة)، و(نبذ الطائفية)، و(الجرأة في مواجهة الفساد)، والاهم من كل ذلك ان يكون لها موقف واضح من( الوجود العسكري الاجنبي على ارض العراق وسمائه ومياهه) وحتى يشعر المواطن في العراق ان لديه فعلا حكومة وطنية، تشعر بشعوره، وتتحسس الالامه، وتسعى من اجل تحقيق آماله في الحياة الحرة الكريمة .
ونختم بحثنا هذا بالاشارة الى موقف تاريخي للملك فيصل الاول (1921 ـ)1933 ) باني كيان الدولة العراقية الحديثة التي هدمها المحتلون الامريكيون اثر غزوهم للعراق واسقاطهم النظام السابق في التاسع من نيسان 2003 ، وذلك عندما خاطب اول برلمان عراقي، وهو( المجلس التأسيسي العراقي) يوم 27 آذار 1924 موجها انظار النواب ليس الى كيان العراق السياسي ومشاكله الداخلية والخارجية وانما الى الاسراع في اتخاذ قرار بانهاء الاحتلال وكانت الوسلية انذاك التصديق على المعاهدة العراقية البريطانية قائلا لهم: أنا لا أقول لكم اقبلوا المعاهدة او ارفضوها انما أقول لكم اعملوا ما ترونه الانفع لمصلحة البلاد..لا تتركوا فيصلا معلقا بين السماء والارض بل اوجدوا لنا طريقا يحافظ على كيان بلدكم وكرامته وسيادته واستقلاله. وهكذا كان على مجلس الحكم والحكومات التي جاءت بعده أو الجمعية الوطنية أو مجلس النواب أن يقدموا هدف التخلص من الاحتلال وانتقاص السيادة على كل هدف . فالاحتلال هو سبب المشاكل كلها، ولايمكن للعراق ان يعود الى ممارسة دوره العربي والاقليمي والدولي الا بعد انهاء الاحتلال .ويبدو ان الحكومة الحالية، ومجلس النواب، والقادة السياسيون المشاركون في العملية السياسية االقائمة في العراق حاليا، قد انتبهوا الى ذلك مؤخرا، فقد بدأ الحديث عن اعادة السيادة للعراق، والغاء قرار مجلس الامن 660 لعام 1990 الذي وضع العراق تحت البند السابع الذي يتيح التدخل الدولي عامة والاميركي خاصة بشؤون العراق الداخلية. وكذلك اخذت الدعوات تتصاعد في مجلس النواب بعدم التمديد للقوات متعددة الجنسيات، ودعوة الولايات المتحدة الاميركية للدخول في مفاوضات تنظم العلاقة مع العراق كدولة مستقلة تملك خياراتها بنفسها ونامل في ان يتحقق ذلك اليوم قبل الغد.

هناك تعليق واحد:

  1. كل التقدير والاحترام لك دكتور ابراهيم العلاف وربي يحفظك ان شاء الله

    ردحذف

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...