الخميس، 5 مارس 2015

ذكريات سامي مهدي عن مجموعة "قيثارة الريح " للشاعر شاكر السياب



ذكريات سامي مهدي عن مجموعة "قيثارة الريح "  للشاعر شاكر السياب

( قيثارة الريح ) مجموعة شعرية مغمورة للشاعر الكبير الراحل بدر شاكر السياب ، نشرتها وزارة الإعلام عام 1971 لمناسبة الإحتفال بالذكرى السادسة لرحيله . وكانت الوزارة قد شكلت لجنة خاصة للإشراف على الإحتفال برئاسة وكيل الوزارة الدكتور زكي الجابر وعضوية الناقد عبد الجبار داود البصري والشاعرين سامي مهدي وخالد علي مصطفى ، وكان من المهام التي أنيطت بهذه اللجنة جمع ما لم ينشر من شعر السياب في مجموعاته التي صدرت قبل وفاته وتحقيقه ونشره ، فكانت هذه المجموعة .
تطلب هذا الإتصال المباشر بذوي السياب في البصرة فذهب إلى هناك كل من البصري وخالد ، وعادا ببعض مخطوطات الشاعر القديمة في أوراق متناثرة ، منها دفتر مدرسي مكتوب بخط يده ، وكان هذا الدفتر يحتوي على قصيدة عنوانها ( اللعنات ) مع مجموعة صغيرة من القصائد عنوانها ( قيثارة الريح ) .
غير أن عمل اللجنة في تحقيق هذه القصائد لم يكن سهلاً ، فقد صادفتها خلاله مصاعب جمة ، منها أن القصائد المكتوبة بخط السياب عملت بها يد الشطب والتحريف ، ورغم هذا استطاعت أن تفك ألغاز الكثير من الخطوط المعمّاة وتهيء القصائد للنشر بأفضل ما استطاعت ، وراجعت شعر السياب المنشور في مجموعاته لتلافي تكرار نشر ما هو منشور فيها ، ثم رأت جمع كل ما حصلت عليه بعنوان جامع هو ( قيثارة الريح ) . وبلغ مجموع ما نشر في هذه المجموعة أربع عشرة قصيدة ، منها قصيدتان طويلتان هما : بين الروح والجسد ، واللعنات .
وهنا لابد لي من ذكر حقيقة لم تذكر ، وهي أن اللجنة انقسمت في بدء عملها بين رأيين ، رأي أنا صاحبه ، ورأي ثان اتفق عليه كل من الدكتور الجابر والناقد البصري . أما رأيي فخلاصته أن قصائد المجموعة ضعيفة لا ترقى إلى المستوى العام الذي بلغه شعر السياب ، بل هي دون مستوى شعره في مجموعته الأولى ( أزهار ذابلة ) ونشرها قد يغض من مكانته ، خاصة وأنه تجنب نشرها هو نفسه ، ومنها ما اقتطع منه أبياتاً ونشره في قصائد أخرى . ولكن رأيي لم يأخذ به بحجة أن هذه القصائد تلقي ضوءاً على حياة الشاعر ونفسيته في تلك المرحلة المبكرة من حياته وهو أمر يخدم دارسي شعره في المستقبل . ورغم أنني قدمت رأياً آخر ، رأياً وسطاً ، هو أن يقتصر النشر على قصيدة ( بين الروح والجسد ) وقصيدة ( اللعنات ) دون القصائد الأخرى رفض هذا الرأي كما رفض سابقه .
ومبعث رأيي هذا أن لكل شاعر بدايات ، وعادة ما تكون هذه البدايات ضعيفة ، لصغر سنه ، ومحدودية ثقافته ، وقلة خبرته ، وأن الشعراء يهملون هذه البدايات عادة ، ولا يضمونها إلى مجامعيهم الشعرية ، وهذا ما فعله السياب نفسه ، فلماذا نجيز لأنفسنا توثيق ما أهمله ؟
القصائد التي رأيت استبعادها تعود إلى عام 1944 ، لا يزيد عدد أبيات أطولها عن اثنين وعشرين بيتاً ، وهي قصائد عمودية ، متنوعة البحور ، نصفها تقريباً مهدى إلى روح الشاعر الإنكليزي ووردزورث ، ولكنها ضعيفة كلها ، لا اقتدار فيها ولا نضج . أما قصيدة ( بين الروح والجسد ) فتأتي أهميتها مما راج حولها . فقد قيل إنها ملحمة في أصلها ، تقع في أكثر من ألف بيت ، وإنه كان قد أرسلها مع الأستاذ الراحل فيصل جري السامر ( الدكتور ) إلى الشاعر المصري علي محمود طه ، ربما للمساعدة في نشرها ، أو لإبداء رأيه فيها ، فسلمها السامر إليه ، ثم لم يعرف بعد ذلك مصيرها . وأكبر الظن أن الشاعر علي محمود طه قد استخف بها فأهملها ، فكان الضياع مصيرها ، إذ لم يبق منها سوى مائة وعشرين بيتاً . أما قصيدة ( اللعنات ) فأهميتها تاريخية ، لأنها تشي ببداية انتمائه السياسي .
أعيد نشر قصائد هذه المجموعة في المجلد الثاني من أعمال السياب الكاملة التي أعدها الشاعر والناقد الفلسطيني ناجي علوش وصدرت عن ( دار العودة / 1971 – 1974 ) . لكن الغريب في الأمر أن علوش حذف المقدمة التي تصدرت الطبعة الأولى وكتب لها مقدمة أخرى . وأغرب من ذلك أنه حين ذكر أسماء أعضاء اللجنة التي حققت المجموعة حذف اسم الناقد عبد الجبار البصري ، مع أن البصري تحمل القسط الأكبر من جهد تحقيقها ونشرها ، وهذه شهادة للتاريخ . وأحسب أن الحذف كان متعمداً ، وليس من باب السهو ، والله أعلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...