الاثنين، 9 مارس 2015

حركات العشائر العراقية في الثلاثينات ا.د.ابراهيم خليل العلاف

حركات العشائر العراقية في الثلاثينات
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
في مثل هذا اليوم التاسع من آذار سنة 1935 اندلعت في وسط وجنوب العراق سلسلة من الانتفاضات والتمردات العشائرية التي كتب عنها زميلينا الاخ الاستاذ الدكتور غانم محمد الحفو المؤرخ العراقي في جامعة الموصل اطروحة دكتوراه في جامعة بواتيه بفرنسا قبل سنوات عديدة .
ومن العشائر التي تمردت على نظام الحكم الملكي عشائر الاكرع بزعامة الشيخ شعلان العطية . وقد تمكنت من احتلال الدغارة . كما ثارت عشائر آل فتلة بزعامة الشيخ عبدالواحد آل سكر في لواء الديوانية وقبائل العزة برئاسة الشيخ حبيب الخيزران التي احتلت منصورية الجبل علاوة على قبائل أخرى ويقول السيد عبد الرزاق الحسني المؤرخ المعروف ان اشتراك الديوانية وديالى في التمرد كان يعني اشغال الجيش على جبهتين وهو ما كان يخل بالتوازن في قوات الجيش يومئذ .
وقع زعماء عشائر الفرات الأوسط بتأييد الزعيم الديني العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ميثاقا تضمن 12 مطلبا وطنيا ابرزها طلب اسقاط الوزارة والغاء ضريبتي الارض والماء ، والكف عن اتباع سياسة التفرقة الطائفية ، واطلاق حرية الصحافة ، والحفاظ على موارد الاوقاف، والاهتمام بالصحة والتعليم ، ومنع البغاء ومحلات الخمور والقمار وعدم التعرض لمن اشترك في الحركات الوطنية من ابناء الشعب أو من الموظفين ، والتقيد بنصوص الدستور .
وممن وقع على المطالب السيد محسن ابو طبيخ والسيد علوان الياسري والسيد عبد الواحد الحاج سكر والحاج فرحان ال دبي والسيد سلمان العبطان والسيد عبود الهيمص والسيد تكليف البدر والسيد فريق ال مزهر الفرعون والسيد هاتف الغضبان والشيخ شعلان العطية والسيد سعدون الرسن .
تحركت قوة من الجيش والشرطة نحو عفك وقلعة الحاج شعلان العطية الذي سلم نفسه في 20 حزيران وحكم عليه بالإعدام ثم صدرت أرادة ملكية بتبديل العقوبة إلى الإقامة في الرمادي ثم عانة وحكم على 66 ثائرا بالإعدام ونفذ الحكم في 19 شخصا فقط . ثم قدم رئيس الوزراء العراقي جميل المدفعي آنذاك استقالته.
كانت العشائر هي الاداة الثانية التي استغلها السياسيون العراقيون بعد الجيش وقد جاء ذلك إثر وفاة الملك فيصل الاول سنة 1933 وبروز زعامات سياسية لم تكن تجرؤ على الظهور ايام كان الملك فيصل الاول حيا .لقد اشرنا في كتابنا :"تاريخ العراق المعاصر " الى ان وزارة جميل المدفعي الثالثة التي تشكلت في 4 آذار سنة 1935 وضمت في صفوفها شخصيات ضعيفة اقل ما يقال عنها انها لم تكن تمتلك القدرة على معالجة القضايا الخطيرة التي اثارها استمرار الحركات العشائرية لهذا كان من المؤكد ان تسقط امام تطور الاحداث خاصة بعد ان ازداد الوضع في العراق خطورة وتوسعت الاضطرابات العشائرية وحدث خلاف بين رئيس الوزراء جميل المدفعي ورئيس اركان الجيش طه الهاشمي حول مسألة استخدام القوة ضد العشائر وبخاصة القوة الجوية وقد اشار الى ذلك فيما بعد توفيق السويدي في مذكراته .وقد قال ان بعض الوزراء طلبوا من رئيس الوزراء جميل المدفعي اتخاذ الاجراءات لتنحية رئيس الاركان واستبداله بآخر اكثر حكمة وابعد غورا فيما يقوله ويفعله .هذا فضلا عن تعاطف بعض الوزراء مع زعماء العشائر ومنهم نوري السعيد وزير الخارجية الذي اتهمه توفيق السويدي في مذكراته بأنه وان كان لم يشترك في الوزارة لكنه على ما ظهر لنا كان يؤيدها ايضا .
ويقينا ان الخلاف بين اعضاء الوزارة حول مبدأ استخدام القوة ضد العشائر ، كان من الامور التي دفعت المدفعي الى الاسراع في تقديم استقالة حكومته في 15 آذار سنة 1935 ولم يمض عليها في الحكم سوى (11) يوما فقط وكان على الملك غازي 1933-1939 ان يبحث عن شخصية قوية ليسند الحكم اليها فإختار ياسين الهاشمي ليكلف وزارته الثانية في 17 آذار سنة 1935 والتي اشتركت فيها عناصر تمتلك خبرة طويلة في الحكم وقد قيض لهذه الحكومة التي ضمت فضلا عن ياسين الهاشمي نوري السعيد ورشيد عالي الكيلاني وجعفر العسكري وقد وعد الهاشمي بتحقيق روح التآخي بين ابناء الشعب واعادة الامن وتقوية الجيش وتوسيعه وفرض الخدمة الالزامية وقد نجح في ذلك الى درجة ان البعض اتهم الهاشمي بالتوجه نحو الدكتاتورية .
من الطرائف عن التمرد العشائري هذا شيوع هوسات عديدة لكن اعذبها تلك الهوسة التي انشدها ابن اخت الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وهي :" يمحورب بس لا يرشُونك " ويعنى هذا احذر من أن ترشيك الحكومة كما رشت اولئك الشيوخ المؤيدين لها ، فتتوقف عن المعارضة وتصطف الى جانب الحكومة وفي هذه الطامة الكبرى لانها تفرق صفوف الثوار .
ومما يلحظ ان التمردات وخاصة تمردات عشائر الفرات الاوسط وقبائل المنتفك استمرت في عهد وزارة ياسين الهاشمي لكن الجيش تمكن من ان يقاتلها بنجاح وان يقضي على ثوراتها بيسر ولاشك ان ذلك تم بمعونة عشائر موالية اخرى، وتدخل بعض علماء الدين .كما ان حكومة الهاشمي اصدرت بيانا تعهدت فيه بالقيام بالاصلاح وحل المشاكل ، وتحقيق الامن وسحب قواتها والعودة بها الى الثكنات .وقد تحقق الامن وقصد زعماء التمردات بغداد في الاول من نيسان 1935 واقيمت لهم حفلات تكريمية في النجف الاشرف والكوفة والحلة وانتهت التمردات العشائرية ليلجأ السيسيون الى الجيش ويحركونه وهذا ما حدث في العراق حين وقع انقلاب بكر صدقي في 29 تشرين الثاني 1936 وتلك صفحة اخرى من صفحات تاريخ العراق المعاصر .
____________________________________________
*من كتاب :تاريخ العراق المعاصر للدكتور ابراهيم خليل العلاف والدكتور جعفر عباس حميدي .
الصور :الصورة الاولى ويظهر فيها :السيد علوان الياسري من اليمين والسيد محسن ابو طبيخ والشيخ شعلان ابو الجون والسيد عبد الواحد الحاج سكر وفي الصورة الثانية الشيخ شعلان العطية .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم

  بيوت في ذلك الزقاق ...............فيلم عراقي مهم - ابراهيم العلاف وفي إطار التوثيق للسينما العراقية المعاصرة ، ثمة أفلام تنتمي الى الواقع...