السبت، 13 ديسمبر 2014

شــارع الــنــجــفــي ...ـ بقلم : الاستاذ معن عبد القادر آل زكريا

شــارع الــنــجــفــي ...ـ

غــريــب يـتـسـكـع فـي أزقـة ذاكـرة الـمـديـنـة
أزقاق لبيع الحلويات ... أم سوق لنشر الكتاب ...؟ !!
 بقلم : الاستاذ معن عبد القادر آل زكريا
Picture
تنويـــه :
لابد أن اعترف (انا الباحث) ومنذ زمن ليس بالقريب، ان وساوس واخيلات راكضة في ضباب الليل كانت تؤرقني، بل ظلت تطاردني دوماً وتلح عليّ بالتحرش مرةَ وبالاستفزاز أخرى، ان اغمس ريشتي في محبرة شارع النجفي (أو قل محبراته الكثيرات) وأدع ذكرياتي تجري خبباً أو هذباً لا فرق، بعد ان شبعنا من إفراغ ما في جعباتنا شفاهاً سواء في أمكنة مفتوحة أو في أخرى مغلقة لا يرتادها سوى جُلاّسٌ محددون كما في المجلس المعمور والخاص بأولاد عبد الرحمن بك بن عزيز بك آل الجليلي ...
أقول، يا ما بقينا نخوض في غمار مختلف أنواع الأحاديث ومنها حديثنا في شارع النجفي وفي سواه من آثاريات مدينة الموصل ومن تراثها .
والحق يقال، ان الكاتب الشاب واثق بن ممدوح الغضنفري كان قد سبقني إلى الكتابة في شارع النجفي وعنه، ناهيك عن انني كنت قد زودته ببعض المعلومات الموثقة شفاهاً نقلاً عن المغفور له والدي الحاج عبد القادر ابن الحاج مصطفى بن الحاج زكريا التاجر (الحاج زكريا التاجر هو الجد الرابع لوالدي والجد الخامس لي انا الباحث).
قال الغضنفري في مكان تال من فاتحة مقالته ... الآتي: (.. ولقد أكمل الكولونيل ليجمان وهو اول حاكم سياسي لمدينة الموصل سنة 1917 بعد احتلالها من قبل الإنكليز وسقوط الدولة العثمانية ، أقول أكمل ليجمان توسيع الشارع الذي باشر في فتحه الوالي سليمان نظيف بك بعد بدئه بفتح شارع نينوى واستكمل جُلّ الإجراءات اللازمة لذلك ، بل عمل على استخدام السجناء الموصليون أو غيرهم ممن كانت قد صدرت بحقهم احكاماً تتضمن الأشغال الشاقة بتكسير الحجر المستخدم في فرش أساسات الشارع وقبل رصفه (بالقالدرم) أي الحجر الصوان . وهذه المعلومة كان قد رواها المرحوم الحاج عبد القادر بن الحاج زكريا التاجر لولده الكاتب والباحث معن بن عبد القادر، والذي بدوره أعلمني بها كي أضيفها إلى جملة المعلومات المتوفرة لديَ عن موضوع شارع النجفي ... وهي أمانة تاريخية تحتم عليّ ان أنقلها إلى القراء ... ) .
تعقيب: واستطراداً لشرح حيثيات هذه المعلومة الواردة في بدء مقالة الغضنفري، أقول انني سمعتها من والدي مرتين. المرة الأولى كانت في أواسط عقد الخمسينات من القرن المنصرم، رواها الوالد في جلسة ضمت أدباء وكتاب وصحفيين وتربويين ومؤرخين، من مثل عبد المنعم الغلامي واحياناً يصحبه ابنه الشاب وائل أو ابن اخيه واثق ابن نذير الغلامي العازف على آلة العود والشاعر الزجلي محمود الملاح آل زيادة والشاعر الشاب (يومها أحمد محمد المختار) والباحث في تاريخ الموصل محمد سعيد الجليلي وآخرين لم أعد أذكر منهم أحداً ... كان يضمهم المجلس الذي يرتاده والدي في مقهى يحيى وابنه رشاد الواقع في شارع حلب ويطل على شارع العدالة من الجهة الأخرى وقبالة سينما هوليوود . وهذه الأخيرة (السينما) كانت محط أمالي وهوايتي ولهفتي، انتظرها طوال السنة، وساعة أنهي امتحانات الدراسة الابتدائية للعطلة الربيعية والعطلة الصيفية واحصل على نتائج النجاح المتميز ، إلا وأكون مرافقاً لوالدي إلى المقهى يومياً. وما ان يحين وقت عرض فيلم المساء (الساعة السابعة والنصف صيفاً على ما اذكر) إلا وينفحني الوالد مبلغ (100 فلساً) ويشير إلى بعض الأصحاب من الجُلاّس ومن المعلمين الشباب الذين يؤلفون مساحة عددية لا بأس بها من أفراد الحارة ، ليحجز لي مقعداً في السينما ثم يعود لاستصحابي عند نهاية الفيلم، ولا يأخذ منا ذلك مسافة سوى عبور الشارع . وقد وفرت لي هذه المناسبة الرائعة ان أرى أجمل الأفلام الأميركية (حجم عادي أبيض واسود) وأرقاها ، تلك التي مازالت راسخة في قعر ذاكرتي لا تغادره أبداً ، وصور الممثلين والممثلات تتقافز أمام احداقي كلما اختليت بنفسي أطارحها التذكر وتطارحني التأسّي على أيامنا الحلوة .... التي ذهبت ... إلى غير رجعة ... !
والمرة الثانية حكاها والدي في خاتمة الثمانينات وقبل وفاته بأشهر في ساعة من ساعات صفاء ذهنه وهو يتذكر أموراً كثيرة حدثت له وكنا نسجلها على شريط كاسيت انا وأخي الأصغر مني دريد عبد القادر (العميد الطيار) على المعاش الآن . أما المرة الثالثة فقد سمعتها عن المرحومة والدتي التي حكت لي ، انه بعد صدور الحكم على والدي بسجنه ثمان سنوات أشغال شاقة ... ففي يوم من الأيام جاء إلى الدار (أحد أولاد عمتي) وهو علي مصطفى الملاح ، ورفقته أخوه محمد الملاح وكانا في سن العاشرة والثانية عشرة من عمريهما على التوالي ، وهما يبكيان ويصرخان بأعلى صوتيهما انهما رأيا خالهما (عبد القادر) وهو مكبل بالأغلال والأصفاد حول خصره وحول قدميه وهو يكسر الحجر في المنطقة التي صار اسمها فيما بعد (شارع النجفي) مع مساجين آخرين ... فما كان من الأسرة إلا ان تجري اتصالات موسعة وعاجلة مع شخصيات موصلية من معارفنا ومن أهلينا ... الأمر الذي صار إلى استبعاده من هذه المهمة الثقيلة ... أما اسماء الشخصيات التي تم الاتصال بها فلا نود التصريح بها ، غير اننا نشير إلى الجدول الذي سيأتي تواً وفيه بعض إولئكم الخيرين من الذين لم يوفروا جهداّ في سبيل ذلك الموضوع .
أعود إلى الحكاية التي رواها لي والدي عن شارع النجفي ... قال:
تقع بيوتات أسرة الحاج محمد النجيفي (والمؤلفة من مجموعة أحواش وإيوانات برانية وجوانية) في منطقة وسطى ما بين شارع نينوى شمالاً وزاوية التقاء شارع غازي مع شارع العدالة جنوباً، وتتجاوز مساحة الدار الالف متر مربع بشيء يسير، وفي هذا الامتداد الطولاني الجنوبي ، تقع بيوتات أسرة آل الشبخون وآل حاج حسين جلبي حديد بما كان يعرف سابقاً (بمحلة سوق السراي).
وإذ صارت النية إلى فتح الشارع في زمن الوالي سليمان نظيف بك سنة 1914 ورديفه شارع النبي جرجيس (سوق الشعارين)، ابتدأ المهندسون العثمانيون والفنيون بتحديد مشاعات الاستملاك (وغلطتهم الكبرى كانت في عدم أخذهم في الحسبان احتمال التوسع المستقبلي، فجاء عرض شارع النجفي لا يلبي متطلبات الاحتياجات السكانية والاجتماعية والتجارية اللاحقة فيما بعد) . ونظن نحن الباحث ان الغاية الأساس من فتح الشارع كان بغرض فتح زقاق عريض للسابلة يربط ما بين أعلى شارع نينوى نزولاً إلى مركز المدينة في باب الطوب . وهناك رواية ثانية نقلها إليّ مؤخراً الأستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة (خبير الآثار والتراث) ان لديه معلومة موثقة تفيد ان بداية فكرة فتح الشارع والعمل بها فعلاً ابتدأت سنة 1911 وليس كما هو متعارف لدى العامة والخاصة سنة 1914 .

يكمل والدي في روايته قائلاً:
وإذ ابتدأ العمل في هدم البيوت استكمالاً لأعمال ابتدائية مماثلة حصلت قبل ذلك بسنوات، توقف العمل هذه المرة بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى وانشغال الجيش والجندرمة ودوائر الحكومة الأساس (الطابو والأشغال والبلدية) بأمور تخص الجهد العسكري .
وإذ انتهت الحرب العظمى سنة 1917 ، ودخول الإنكليز للعراق من ميناء البصرة واستكمال احتلال العراق حتى مدينة الموصل، تولى العقيد ليجمان الحاكمية السياسية في لواء الموصل بكل سطوته وقسوته وجبروته وعنجهيته. وقد يكون لازماً القول ونحن في هذا المقام ان نذكر ان جهداً عسكرياً من البريطانيين (إنكليز وهنود وسيخ وكوركا ونيوزلنديين) كانوا يؤلفون جهداً يتقدمهم مهندسون مدنيون ومساحون مع كل أجهزتهم وعددهم، كانوا يرافقون القوات العسكرية أينما حلت وحيثما ارتحلت. بل أخذوا يباشرون مهام تخطيطية جديدة وأخرى إصلاحية حسبما تقتضيه الحال وتوافق عليه مجالس إدارات البلديات (اللواء) تلك التي عملت سلطات الاحتلال (بسبب الوضع المدمر لمدينة الموصل) على إعطائها الأولوية في التكوين (ترشيح وانتخابات)، ولدينا أمثلة كثيرة موثقة عن قوائم بأسماء شخصيات موصلية مهمة ومتنفذة تكفلت بمهام رسمية تصب في خدمة الإدارة وأمور المعاش ومصالح المواطنين. وفي أدناه صورة نتائج اجتماع اللجنة الانتخابية لعضوية مجلس إدارة اللواء .
مجلس إدارة اللواء التأمت اللجنة الانتخابية لعضوية مجلس الإدارة برئاسة جناب مشاور اللواء أمس الساعة العاشرة والربع قبل الظهر في دائرة جناب المشاور للتدقيق في جداول الانتخاب المرسلة من بلدية الموصل ومجالس أقضية الموصل وتلعفر وزاخو والعقر ودهوك . وبعد التدقيق في الجداول المشار إليها تبين ان الذوات الآتية أسماؤهم قد حازوا الأكثرية .
وبمناسبة تسطير هذا الجدول، كنت قد افتهمت من والدي ان الشخصيتين اللتان قامتا بالتوسط في موضوع الأشغال الشاقة التي طالت سجنه يندرج اسميهما ضمن أسماء أعضاء مجلس إدارة اللواء ... رحم الله أولئك الخيّرين، فقد آن الأوان بعد حفنات من السنين من ان نرد لهما العمل الصالح بمثله (وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم) إن شاء الله .

  6 أصوات= سليمان سامي بك الجليلي

6 أصوات = نامق أفندي آل قاسم أغا

5 أصوات = مصطفى جلبي الصابونجي

4 أصوات = جميل أفندي آل سليم بك

4 أصوات = الحاج حسين أغا آل عبيد أغا

4 أصوات = حبيب أفندي العبيدي

6 أصوات = فتح الله أفندي سرسم

5 أصوات = رؤوف أفندي شماس اللوس

5 أصوات = يوسف أفندي رسام

3 أصوات = دوري أفندي خياط

وقد تساوت الأصوات بين دوري أفندي خياط وساسون أفندي سيمح ، فتقرر الاقتراع وأسفرت النتيجة عن بقاء دوري أفندي . وقد عين جناب المشاور لعضوية الإدارة كل من سليمان سامي بك الجليلي ونامق أفندي آل قاسم أغا ومصطفى جلبي الصابونجي وفتح الله أفندي سرسم ورؤوف أفندي شماس اللوس . فنحن نهنئ حضراتهم ونسأل لهم التوفيق والنجاح في خدمة هذا اللواء 
جريدة الموصل العدد 365 الأربعاء 27 نيسان سنة 1921

وصف تقريبي عام لشارع النجفي:
يُعدُ شارع النجفي - منذ افتتاحه- قلب مدينة الموصل النابض، والعامل على ترويج الكتاب وما يتعلق به من قرطاسية ، إذ انحصرت المكتبات في ثلثيه الأخيرين المتصلين بحدود البريد القديم الذي كان - وقبل انشاء مديرية البريد في منطقة النبي شيت - المنفذ الوحيد لأهل الموصل في اتصالهم بالعالم الخارجي بواسطة الرسائل والبرقيات وإرسال الرزم والطرود البريديه من العراق إلى انحاء العالم واستلام مثيلاتها بالكيفية عينها .
وهناك دعاية كانت رائجة في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي وحتى الستينات منه ، أطلقت اسم (شارع المعرفة) على شارع النجفي لكثرة عدد مكتباته العامرات بمختلف الكتب القيمة والثمينة وتلك الكتب التاريخية والدينية والثقافية، فضلاً عن محلات المجلدين والمصفحين مع توفر كافة أنواع مكائن القطع والكبس اليدوية ، ناهيك عن وجود محلات الخطاطين الأشهر في الموصل يومها وهم كل من زهير بن محمد صالح الخطاط ونوري السعيد (أبو هشام) وأحمد فوزي (الأطرش والأبكم) . كما كان يوجد في إحدى تفرعات شارع النجفي أقدم مطبعة في الموصل وهي مطبعة فتى العراق لصاحبها ابراهيم الجلبي وورثته محمود واحمد سامي. وعن مكائن طباعتها صدرت جريدة فتى العراق الموصلية الأسبوعية.
  ومن قدماء مكتبة الجيل الاول الذين وضعوا بصماتهم على الشارع كل من عبد الرحمن الكركجي صاحب المكتبة العربية وشاكر افندي آل شنشلي (أبو زهير) وهو من بيت حيوبك ، وكذلك سيد عبد الله أفندي أبو توفيق واحمد شهاب صاحب مكتبة المعارف (تأسست سنة 1931) والمكتبة العصرية لصاحبها رؤوف (والد كل من أدمون وفريد) و مكتبة ذنون المصري . وهناك أصحاب مكتبة الأمل (ابناء عمومتهم من آل الصائغ) والواقعة مكتبتهم قبالتهم في الجهة الأخرى وكانوا من مستوردي المجلات الأجنبية (على نحو خاص الأميركية) والمتخصصة بأخبار السينما ، واذكر على نحو متميز انني كنت أشتري منهم مجلتي  
(picture shore)  and (picture gore)
   وهما باللغة الإنكليزية ومزدانتان بالصور وسعر النسخة الواحدة من تلكم المجلات (30 فلساً) وهو مبلغ يتردد كثير من شباب الخمسينات في دفعه ثمناً لمجلة لا تتجاوز عدد صفحاته 30 صفحة .
كما يعد السيد علي النعيمي الكتبي (الحاج) من قدماء الجيل الثاني  والذي كان وحيد أمـّه و بعد ان اكمل الدراسة المتوسطة ودخل الى دار المعلمين الابتدائية، ترك هذا الطريق اذ مولت له امه مصاريف افتتاح مكتبة الأمين (تأسست سنة 1941) ليرعاها رعاية تامة هو و أولاده المرحوم تحسين الخطاط و الضابط اسامة . وبالمناسبة فإن العادة قد جرت عند الكثير من مدرسي الثانويات ومن موظفي مديرية المعارف وغيرها من دوائر الحكومة الرئيسة ان يتوزعوا على أغلب تلكم المكتبات بوصفهم أقرباء أو أصدقاء ، يستطيعون الجلوس داخل مكتبة أو الوقوف من الخارج على أطراف الجام خانة . وقد عرفت من أصدقاء السيد علي الكتبي كلٌ من التربويين مؤيد النوري و عبد الفتاح مرعي ونجيب الخفاف و ياسين القطان و المهندس في الاتصالات السيد حسين السيد ذنون آل زوين و صديق الرمضاني و التربوي عبد العزيز توفيق و شقيقه الطبيب العسكري حسام الدين توفيق و شقيقهما الثالث عبد السلام توفيق مدير املاك البلدية
وتعد المكتبة العربية من أقدم المكتبات في مدينة الموصل والتي افتتحها عبد الرحمن بن عبد الله بن مصطفى الكركجي سنة 1921 .
لقد عمل عبد الرحمن منذ طفولته مع والده عبد الله في مهنة العطارة في دكانه الواقعة في سوق العطارين . إلا أن ذلك العمل لم يمنعه من دخول المدرسة الابتدائية والتخرج فيها ، ثم اكتفى من تعليمه بحصوله على شهادة الدراسة المتوسطة ليطلب التعيين موظفاً في دوائر الحكومة ، فكان نصيبه أن يصير كاتباً في (دائرة الأعشار) والعشر ، ضريبة كانت تفرض على إنتاج المزارعين من الحنطة والشعير بنسبة واحد إلى عشرة من قيمة المحصول ، ثم صار وأن ألغيت هذه الضريبة في نهاية الخمسينات لعدم إيجابية الانتفاع بإيراداتها بالقياس إلى تكاليف جبايتها .
وكان الشاب عبد الرحمن يتوق توقاً شديداً إلى القراءة ، فاستهوته مؤلفات الكاتب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي ، فقرأها عن آخرها ، ثم لمّا لم يجد ما يطفئ ضمأه إلى المزيد من القراءة في الموصل ، صادف أن سافر مع أقربائه إلى بغداد ، فزار سوق المكتبات في سوق السراي وتفرعاته (شارع المتنبي اليوم) ليشتري مجموعة متنوعة من كتب أدبية ودينية من مكتبات (العربية ، والعصرية ، ومكتبة إبراهيم حلمي) اذ قام بقراءة بعضها وبيع البعض الآخر في محل والده في سوق العطارين .

 وحين اختمرت في ذهنه فكرة الاهتمام بالكتاب ، ترك الوظيفة غير آسف عليها ، ليستأجر دكاناً في شارع النجفي زودها بالكتب وأسماها بالمكتبة العربية ثم بمرور الزمن أضاف إلى تجارة الكتب الأدبية التي صار إلى استيرادها من سوريا ومن مصر ، فضلاً عن المصاحف وكتب التفسير ، الكتب المدرسية والمنهجية لوزارة المعارف لمختلف المراحل الدراسية .
لقد كانت مكتبة عبد الرحمن الكركجي مكاناً دائماً لمتلقى مختلف الأصحاب والأصدقاء والمعارف ، فيهم الدكتور عبد الجبار الجومرد والدكتور داوود الجلبي واللواء الركن عبد العزيز العقيلي والمؤرخ مدير متحف الآثار في الموصل سعيد الديوه جي والأستاذ في القانون الدكتور حسن علي الذنون .
وقد اهتم السيد عبد الرحمن الكركجي طوال عمله في إدارة المكتبة ولأربعة عقود ونيّف بجمع الكتب الخطية القديمة والنفيسة (المخطوطات) . وقد باع قسماً عظيماً منها إلى مكتبة متحف بغداد في فترة الستينات من القرن الماضي .
توفي الحاج عبد الرحمن الكركجي في مايس سنة 1976 . غفر له الرحمن وأجزى ثوابه ان شاء الله بعد أن خدم العلم والمعرفة وأعطى اللغة العربية ومنشوراتها حيزاً كبيراً من حياته ، وسمعة جليلة بعد وفاته .
ومن المكتبات عريقة الإنشاء مكتبة الوفاء لصاحبها ملا محمود وتسمى حالياً مكتبة بسام ، التي ماتزال لغاية اليوم عامرة بمختلف انواع الكتب . ويعد رؤوف الصائغ الموزع الرئيس للصحف والمجلات لكافة مكتبات الموصل ، التي تبقى معروضة حتى يتم إعادتها حال وصول وجبة جديدة من المطبوعات. ومن المكتبات العريقة مكتبة المنار لصاحبها محمد اسماعيل الأمين وهي ما تزال موجودة لغاية اليوم ويرعاها أولاده هيثم وأخوته .
أما مكتبة الأهالي فكان صاحبها عبد الرحمن النصار (ليس من أهل الموصل بالأصل).
أما مكتبة العسلي فكان صاحبها عبد العزيز العسلي ، الذي خرج من إدارتها لعدم تفرغه فآلت إلى شقيقه مقداد ، ومكتبة الجزائر لصاحبها شقيقهم الثالث هاشم العسلي . ثم ادمجت المكتبتان في مكتبة واحدة أطلق عليها اسم مكتبة العسلي والجزائر . وبعد وفاة هاشم العسلي عادت إلى اسمها السابق مكتبة العسلي لصاحبها مقداد وأولاده . وهناك مكتبة العروبة لصاحبها حميد العروبة .

  :وقد أفادني الخطاط تحسين ابن سيد علي الكتبي بمعلومات لا تخلو من فائدة تفيد الباحثين والمتتبعين والمتذكرين نوجزها فيما يأتي
(.... اخذت اعداد المكتبات بالازدياد تدريجياً حتى غدا شارع النجفي يضيق بهذا العدد الكبير، بعد ان تحولت معظم المحلات إلى مكتبات ، الأمر الذي أدى إلى انتعاش كبير في هذا القطاع من الاعمال ، وعلى نحو خاص يوم قام (الحاج صالح الشبخون) بهدم دار اسرة آل شبخون (والواقعة في حدود منتصف شارع) ليحولها إلى عمارة ومحلات كثيرة وذلك سنة 1984 . وقد توزعت المكتبات في كل مكان وهي تعّج بالتخصص. فهناك مكتبات للكتب العربية والكتب الفقهية والمصاحف والتفاسير، وأخرى متخصصة في الكتب العلمية والجامعية، وثالثة تخصصت في بيع لوازم الدراسة والقرطاسية والهدايا . ومكتبات رابعة تخصصت في بيع المجلات والجرائد والقصص .
وقد ازدادت مكاتب الاستنساخ والطباعة بالكومبيوتر زيادة ملحوظة ، كما تم فتح عدد من المطابع وأخرى لعمل السكرين ، وثالثة لعمل الأختام وصنع الدفاتر المدرسية والجامعية ، مثل مطبعة الجمهورية وشركة مطبعة الزهراء الحديثة .
وقد انتشرت في هذا الشارع مهنة الخط وممارسته وتدريسه ، وفيهم الخطاط تحسين ابن السيد علي الكتبي الذي عاصر نمو أعمال هذا الشارع منذ كان صبياً يعمل لدى والده في أيام العطل والجمع والعطلتين الكبيرتين ومنذ سنة 1955 .
وإذ يأخذنا التاريخ القهقرى ، نتذكر كيف كنا قرب انتهاء كل عطلة صيفية وقدوم موسم الخريف وبداية افتتاح المدارس نرزم كتب السنة المنصرمة بكل فروع الدراسة حملاً إلى شارع النجفي كي نجد لها مشترون من هنا وهناك ، بعد ان كان أهلنا قد ساعدوننا في كتابة أسعار الكتب التي نروم بيعها (بالقلم الرصاص) ثم نحاول شراء كتب للعام الآتي . وترى الشباب والفتيان والصبيان واحياناً اهلهم وذويهم ، يعج بهم وسط الشارع وأرصفته وأطرافه بالباعة والمشترين .... كلٌ ينادي على بضاعته ، وذلك قبل انتشار تطبيق سياسة التعليم المجاني وتوزيع الكتب والقرطاسية مجاناً على الطلبة (وهي جزء من سياسة مجلس الأعمار) الذي لنا فيه حديثٌ قد يطول نتركه لمناسبة أخرى .
******

لقد توطدت تقاليد الشارع في نشأته بكثرة إنشاء المكتبات بشكلٍ متوالٍ وعلى حساب محلات أخرى كانت تقابلها بالعدد من مثل محلات بيع الأحذية الولادي والرجالي (القوندرجية) ، الذين أمسكوا بالمواقع الوسطى من الشارع والى نهايته جنوباً وعلى الطرف الأيسر منه .
أما الصياغ (الصاغة باعة الذهب) فقد تمركزوا في الجزء الأول (الأعلى) القريب من شارع نينوى وبعدد لا يتجاوز الآحاد و قبل الدخول الى سوق الصياغ و محلاته جميعاً المتخصصة بهذه الصنعة و التجارة .
أما الصنف الآخر الذي كان له تواجد في شارع النجفي (فضلاً عن المكتبات والقوندرجية والصياغ) فهم صنف بائعو الحلويات ، ويتوزعون على سبعة أسماء ، ثلاثة منهم من أسرة آل الشيخ علي (بيت أبو الكيك) وهم كل من جعفر وسعد الله وسالم . أما المحلات الثلاثة الأخرى فهي لكل من سالم بن ذنون الجنود ومحله يقع في بداية شارع النجفي من طرف شارع نينوى ، وكانت الدكان أصلاً تعود إلى التوتونجي سيد ياسين واشتراها منه سالم واتخذها محلاً لبيع الشكرات والنستلة والجكليت المحلي والأجنبي . وبالمناسبة فإن سالم الشكرجي ابن ذنون الجنود كان يحمل رتبة نائب ضابط سائق عند الأمير عبد الإله ، الوصي قبل ذلك على عرش العراق ، لما يتمتع به سالم الشكرجي من أناقة وشكل وسيم ومظهر خارجي . أما المحل الثاني فإن صاحبه هو الشكرجي محمد ابن حاج حمو (الكغدي) والواقع في ركن يقابل جامع العباس وينزل من طرف الدكان التفافاً إلى اليمين إلى محل زهير محمد صالح الخطاط ومن هناك إلى محلات توفيق بن محمود الساري (لصنع الجنط التنك) . وان محل صنع الجنط (الحقائب متسلسلة الأحجام) ذاته كان فيما مضى مقهى تقرأ فيها العنترية ، ويقع بالقرب منه جامع خنجر خشب . أما المحل الثالث فهو محل يحيى الشكرجي أبو فهمي الشكرجي واخيه زيور .
أما محل البقالة (السابع) فهو عائد إلى ابراهيم والد المرحوم (يونس) مدرس التجويد في التلفزيون والمشرف التربوي لدى مديرية تربية نينوى . وان المحل هذا كان يتعاطى بيع الشكرات وحلاوة السمسم واللوزينا على مستوى من الدرجة الثانية دون بقية المحلات ، ويقع المحل في منطقة وسطى من شارع النجفي وقريب من المكتبة الوطنية لصاحبها شاكر أفندي آل شنشلي وحلاقة نجم وسلطان في الوقت نفسه . أما محل الخطاط احمد فوزي فهي دكان على مرتفع قليلة العمق تقع مقابل محل محمد ابن الحاج حمو الشكرجي وهي أصلاً خارجة من جدار يقع فوقها جامع العباس ومنارته .
***

أسماء المحلات مع ذكر أسماء أصحابها، تلكم التي تقع في المحيط الذي يلّف شارع النجفي من أعلاه في شارع نينوى إلى أوطئه في شارع العدالة والى دورة باب الطوب

  أ) أسماء المحلات التي تقع خلف البريد القديم إلى دورة شرطي المرور قرب سوق اللحم من جهة الشمال و البنك الشرقي المحدود
 (Eastern Bank limited)

1.  محل حاج طليع القرّان: يصنع الدمالج والأساور من قرن الجاموس بطريقة القص والبرد ، ويلبسّه بقطع من الخرز تزّين به بنات الأعراب سواعدهن .
2.  . محل أيوب أبو صابر الغوّاس: وهو من بيت حاج سلو ، أقدم أسر الغواسين في الموصل. وعلى وفق رأي الأخ راكان العلاف (المخرج المسرحي) فإن اسم (باجه) كان قد جلبه بعض العاملين في مهنة القصابة من عشيرة (الشبك) الذين استوطنوا الموصل وعملوا فيها ... في الوقت الذي كان يطلق فيه المواصلة على هذه الأكلة (غوس) وعلى العامل فيها (الغواس) ... وهناك أسر عديدة في الموصل نعرف اشخاصها الكرام يطلق عليهم بيت (الغواس) ... وفيهم قارئ المقام عبد الغواس وأخوه زكي المشعول وأخوهم الثالث حقي ...
مع العلم ان أبو صابر هو عم (عبد الغواس) . وقد كان محل عبد وزكي في الخمسينات يقع في شارع فاروق قرب حضيرة السادة ومجاوراً لمتنزه الفاروق أيام زمان . ثم انتقل عبد في الستينات إلى بغداد واستكرى له محلاً قرب نصب الجندي المجهول القديم في نهاية شارع السعدون . وأطرافه التي تذهب إلى شارع ابي نؤاس من جهة والى الكرادتين (الداخل والخارج) من جهة أخرى . ومعلومة أخرى عن أيوب ابي صابر انه شقيق خليل القصاب ، وله أخ ثالث يدعى إبراهيم يعمل منذ زمنٍ بعيد مساعداً في صيدلية العلاف
3.  محل تشريب محمد : وتقع فوق المحل كازينو محمد القصاب ، وهي مقر لصنف القصابين . وقد ارتدت أنا الباحث وبعضً من أصحابي هذه الكازينو في إحدى مناسبات مولد الرسول الكريم في مطلع الستينات من القرن الماضي أثناء تجوالنا على الاصناف في مناطق احتفالاتهم ، وفيهم صنف الصيّاغ وصنف الخشابين وصنف الصوّافة مع العلم ان الفنان المخرج راكان العلاف قد قام باستئجار هذه الكازينو من صاحبها عبد المعين أبو منذر ، وأسماها كازينو الربيع لأغاني أم كلثوم ، وظلت تحت إدارته طوال الفترة 1968- 1973 حين ذهب في البعثة للدراسة في فرنسا
4.     متي الفغنجي : وهو والد حازم (صاحب أفران حازم) الواقع ضمن أملاك خان الدقّاقين وهي من أملاك آل سنجري وتقع في شارع الفاروق قرب أملاكهم وبيوتهم هناك .
5.     نقليات أربيل
6.     موسيس أبو الجكاير
7.     سامي سعيد لبيع الردايوات
8.     عزيز فتحي
9.     محل حاج محمد جقماقجي : وهم في الأصل أكراد من أهل أربيل على وفق رواية المخرج المسرحي راكان العلاف . وقد تخصص آل جقماقجي في بيع الراديوات والقاوانات والغرامافونات . وفي مرحلة متقدمة من ابتكارها أخذوا يبيعون المسجلات الصوتية من ماركة بوش وكروندنك كبيرة الحجم وثقيلة الوزن أم الشريط بعد موضة مسجلات أم التيل . وقد افتتحوا لهم محلاً شهيراً في بغداد في نهاية الأربعينات من القرن الماضي في الركن الواقع عند افتراق شارع الرشيد إلى ساحة التحرير والى أبي نواس . ومن الذين اشتغلوا عند حاج محمد جقماقجي بصفة مصلحين كل من الأخوين حازم وهاشم ولدي نوري . وقد كان كلاهما قد أتقن مهنة اختصاص الكهرباء من تجارب عمليهما في القوة الجوية العراقية بصفة جنود متطوعين ، تلك المؤسسة العسكرية التي انجبت كثيراً من الخبراء في مختلف الأصناف ، وعلى نحو خاص في اختصاص الميكانيك والكهرباء والتصوير بنوعيه الجوي والبري .
وقد كان من شلة الأخوين (حازم نوري وهاشم نوري) يعرب توحلة (أبو احمد) الذي اشتهر اشتهاراً واسعاً في تصليح الراديوات والمسجلات . مع العلم انه كان قد أنشأ في الستينات إذاعة تبث على الموجة الطويلة ولمسافة خمسة كيلومترات نصف قطر دائرة .
10.                      محل خليل الحاج سعيد حديد لبيع الراديوات والأجهزة الكهربائية
11.                      محل عزيز فتحي قبل ان ينتقل إلى مكان يقع في الخط الذي يربط مجموعة محلات ابتداءً من شايخانة ثامر (مقابل المركز العام) وانتهاءً بدكان التوتونجي زكي كرجية والبنك الشرقي المحدود .
12.                      بايع الفول السوداني الذي يقف - على طول - أمام محل خليل حديد . وقد شاهدناه ونحن صغار قرابة عقدين من الزمن منذ نهاية الأربعينات وإلى أوائل السبعينات يبيع الفول السوداني في المكان عينه .
13.                      محل المزارع عمر النوح شقيق المهندس المعماري جواد النوح والمحامي عبد الغفار النوح ، ويقع بصفته شقة فوق محل خليل سعيد
14.                     . باب العلوى وهو عبارة عن سفاقتين لباب كبير ذي المسامير الحديدية المدورة . وبجانبه من الضلع الثاني مشكلاً معه زاوية منفرجة سطح طابق علوي يصعد اليه بواسطة الدرج ، ثم تأتي في نهاية الدرج فسحة من المكان تأتي بعدها الباب المؤدية إلى داخل مقهى (حمد ونجم) وهي قاعة مقهى كبيرة مسقفة بالبانكلو (الجنكو) ، وتشكل قاعة كبيرة تتوزع على جدرانها لوحات متعددة لصور ممثلات ومغنيات مصريات منهنّ أسمهان وليلى مراد وليلى فوزي ، والصور مرسومة بريشة الرسام عبد العال والرسام عدنان .
وبعد أن يعوج نظام البناء بزاوية قائمة ، يتقدم شكل البناء إلى الأمام ويتقلص عرض الرصيف لينفتح البلوك بجايخانة ثامر الجايجي ، وهي بانقة صغيرة طولية المساحة متخصصة في استقبال الزبائن من أفراد الشرطة ومن أفراد الشعبة الخاصة أو من معارفهم أو من متقاعدي الشرطة
15.         محل عبد الله كرجية متخصصاً في بيع سكائر كريفن-أي  أبو البزون .
16.                       محل جدعون الخياط
17.                      محل طاطول الخياط وهو من أصل أرمني
18.                      محل هايكاز الخياط وهو من أصل أرمني والذي آل محله إلى عزيز فتحي فيما بعد
19.                      محل عبد القادر الارحيم وهو متخصص في بيع الكهربائيات
20.                      محل مصطفى العاصي (أبو ناصح) وهو متخصص في بيع الكهربائيات .
21.                      محل محي القزاز وأخيه محمد القزاز لبيع الجرزات .
22.                      محل حازم عفاص وهو ضابط متقاعد ومن خريجي دورات الكلية العسكرية في الثلاثينات ، ومحله مخصص لبيع المواد الكهربائية .
23.                      محل عزيز فتحي (بعد ان انتقل من موضع محل الخياط هايكاز)
24.                      محل ذنون ال مراد لبيع الجرزات
25.                      محل يونس ال مراد لبيع الجرزات
26.                      محل عباس أبو الشربت .
27.                      محل التوتونجي زكي كرجية لبيع السيكائر المحلية والأجنبية
28.                      البنك الشرقي المحدود
29.                       واجد السواس
30.                      أبو الشنينة 

خلاصة عن مكتبة المنار
 و الذي يلزمنا ذكره ونحن نشير إلى إسهامات مكتبات شارع النجفي في التأسيس منذ مطلع القرن العشرين وفي أواسطه، وأدوارها في رفد الشارع الموصلي بالكتب على كافة أصنافها وإيصال شبكة إصدارات الرواية والقصة و سلسلة حلقات المذكرات وكتب الدين والشريعة إلى كافة شرائح المجتمع ... أقول يكون من واجبنا، فضلا عن حق الآخرين علينا أن نذكرهم فردا .. فرداً (وهم قلة) و فيهم إسماعيل بن أمين بن محمد علي ( 1924 - 1987 ) و الذي أطلق عليه معارفه وأصدقاؤه اسم ( الـكـتـبـي ) ... كيف لا و هو ابتدأ أول مشواره في شبابه يعمل مكواتياً ( اوته جي) إذ عمل مع المكواتي جمال في أعلى شارع النجفي مقابل حديد الصياغ . ثم فوق هذا و ذاك كان اسماعيل و الى اوائل سنوات عـمـره الـعـشرين لا يـجـيد القراءة و لا الكتابة ... و عندما قدحت فكرة التعلم ( ذاتياً ) في رأسه، حولـّها بكل اصرار الى مشروع مستقبلي، ليصير الاوته جي ( مكتبياً ) ... و هذا الاصرار يعّد بحق ضربة معلم أدّاها المرحوم اسماعيل (الكتبي) وسجّل في مرمى خانة الجهل نقطتين من نقاط الفوز، الاولى نقطة الاصرار على التعلم ضد الجهل و التخلف، و النقطة الثانية اننا جئنا بعد اربع و خمسين سنة (1956 - 2010 ) لنتذكر محاسن الرجل الذي قرأ كل الكتب التي جلبها للبيع واحداً اثر الآخر و عن آخرها ... فأمتلأ ثقافة و ادباً و حباً للناس المتعلمين ذوي المكانة الرفيعة و المنزلة المعتبرة . و من الاشخاص الذين كانوا يداومون على التواجد في مكتبته كل من زكي كرجية وعبد الباسط يونس صاحب جريدتي المثال والهدف وصاحب مطبعة الهدف في شارع نينوى، وكذلك الحاكم فيصل الحافظ و الضابط المتقاعد فاضل الصابونجي و الصحافي امين عبد الله اغا و شمس الدين السيد حاتم صاحب مكتبة الحاتم . و بالمناسبة فقد كنتُ ( انا الباحث ) دائم التردد على مكتبة شمس الدين كونه كان يؤجر الكتاب لمدة اسبوع لأجل القراءة بعشرين فلساً مع تأمينات قدرها خمسون فلساً و من ثم اعادة الكتاب. و ما زلتُ لغاية ساعة الله هذه احتفظ بكتاب عنوانه (كفاح طيبة) للكاتب المصري نجيب محفوظ وهو من ادب تاريخ الفراعنة وعلى الكتاب الطمغة البيضوية لمكتبة الحاتم . غير اني كنتُ قد سلمتُ قيمة التأمينات ولم استرجعها ولم اعد الكتاب الذي ثمنه اربعون فلساً ... و لا ادري ما هو السبب .. الا ان الذي كان .... كان قد صار ... !!

و نعود الى المرحوم اسماعيل الامين و نقول انه كان وكيلاً لعدة صحف و مجلات، وعلى نحوٍ خاص (مجلة العالم) و ثمنها ثلاثون فلساً وكانت تصدر عن مكتب المعلومات البريطاني في لندن . و قد تضمنت المجلة مجموعة ابواب و منها في الصفحة الاخيرة (صور من العالم)، وكانت قد نشرت لي صورة من مجموعة الصور التي احتفظ بها و ارسلتها اليهم لافوز بعشرة ليرات لبنانية تعادل ديناراً عراقياً و مئتي فلساً اسـتـلـمـتها مـن المصـرف العربي في شارع غازي ( عمارة آل الجادر سابقاً ) و قد نشرت الصورة في صيف سنة 1957 . و لا حاجة لذكر تفاصيل فرحتي يوم استلمتُ قيمة المكافأة نقداً ... !!

و بعد ان انتقل اسماعيل الكـتـبـي الى عالم الآخرة (رحمه الله) استـرث ولداه (هيثم و ربيع) التركة عن ابيهما وما زالا محتفظان بالمكتبة ... الا انها تحولت الى اختصاصات مكتبة اخرى و ما زالت رفوف الكتب ترتصف بانتظام في البيت ترنو صوب الشارع ... شارع النجفي، وهي تتمتم بصوتٍ خافت ... ما احلى الرجوع اليه .....
*********
 
ترتيب المحلات واسماء اصحابها صعوداً من دورة البريد القديم (ساحة صقور الحضر) الى اعلى شارع النجفي مبتدئين بالجانب الايمن:

اول دكان تقع في ركن الشارع تقاطعاً مع شارع غازي هي دكان توتونجي . ويقع بالقرب منها محل محمد علي ابو الكيك . و محمد علي هذا من الذين كانت اسماؤهم على الفم و اللسان في زمن كانت فيه الحركة سواء على مستوى الرياضة او على مستوى الوسامة او على مستوى الثقافة ( صحافة , كتابة قصة , قراءة متأنية ) هي الطاغية , في زمن غابت فيه وسائل نقل الاخبار و الاعلام او كادت ( راديو , تلفزيون ) فضلاً عن اقتصار دائرة الحياة في مدينة من مثل الموصل تعيش فترة الخمسينات بكل محدوديتها و هدوئها ... فضلاً عن غياب حركة السيارات شديدة الزحمة , و انعدام وجود تجمعات الاحياء الجديدة و البعيدة , بل اقتصرت الحياة على الموصل القديمة ... شارع النبي جرجيس و امام ابراهيم و رأس الكور و المكاوي و حضيرة السادة و باب الجديد و شارع نينوى و شارع حلب و رفع الاثقال عند جاسم چچـم و مداگشة الديوك الهندية بين اهل تنة من حماميل و اصحاب عرباين الدفع و هم الذين احسن من قاموا بتربية النعاج في فصل الصيف باطعامهم قشور الشمزي بحيث صار طرف النعجة الواحدة اثقل من جسمها وعندما تمشي تشيخ , أي يرتفع منها الصدر و الامام من كثرة ما عليها من لحم و سمن . لقد كان محمد علي ابو الكيك ماهراً الى درجة التميز في ركوب الدراجات الهوائية و في قدرته على عدم النزول من ظهرها لمدة تصل الى اربع ساعات . و له قصص كثيرة تحكى عن هزله و قدرته على الاضحاك و الاشياء التي يفعلها دون سواه . و له مفراقات جميلة مع النسوة الفليحيات ( شباكات البقلاوة و خبز الرقاق و اشهرهن أنـّـو و رينا و نانوكي ) اللواتي كن يجلسن تحت سياج دائرة البلدية (سابقاً) قرب الجسر القديم، ذلك السياج المتدرج في الارتفاع من خارجه باطلالة على ساحة الميدان . و كان محمد علي يتراهن مع الشباب من اقرانه في قدرته على تقبيل تلكم الفليحيات او احداهن بطريقة الحيلة و الاستدراج , الامر الذي يؤدي الى كثير من المواقف الطريفة و الفكاهية . ثم قام محمد علي محل لبيع الساندويج و الباسطرمة في الشتاء , و بيع الدوندرمة في الصيف في شارع امام ابراهيم قرب مدرسة الطاهرة ... و له مواقف كثيرة في فصل الصيف كونه يستخدم البلم في رحلة ليلية تبدأ من عين كبريت الى الدندان و يمر على كثير من الجرادغ مسلماً و محيياً و هو يستخدم اضاءة الشموع داخل اسطوانات صغيرة من البلاستيك يستخدمونها في معامل النسيج لكب الغزل عليها ثم يرمونها بعد الاستعمال فيلتقطها محمد علي و غيره لاشعال الشموع الملونة داخلها .
و هناك شخص آخر يمتلك مواهب من مثل محمد علي بل اكثر و افتتح له محلاً في يوم من الايام في آخر زاوية من شارع النجفي ما يقابل اليوم عمارة الحدباء و هو اكبر سناً من محمد علي و يدعى عبد الهادي , و الملقب بهادي القواص . و القواص ( القواس ) هو من يعمل في مجال الطائرات القديمة ذات المراوح الخشبية . و قد تقطعت اصابع يديه من اثر هذه المهنة و كان يضع قموعاً من الجلد ملبساً الاصابع المقطوعة . يقول عنه المخرج المسرحي راكان العلاف: عمل بعد خروجه من القوة الجوية في تصليح الدراجات الهوائية و بيعها . و من شدة حبه لهذه المهنة اصبح بطلاً في سباق الدراجات و حصل على جوائز عديدة . و من مواهبه الاخرى انه كان سباحاً ماهراً اذ له القابلية على الغوص لمدة خمس دقايق تحت الماء دون ان يستنشق الهواء , فضلاً عن قابليته في السباحة في الماء البارد المنجمد . و من طرائف مراهناته العديدة راهن على ان يبقى في نهر دجلة لمدة ساعتين و كان ذلك في فصل الشتاء و فاز بذلك الرهان اذ بقى ساعتين في الماء دون ان يصاب بأي شيء ... مع العلم انه كان نحيف البنية طويل القامة ... كما كانت له قابلية البقاء راكباً على الدراجة الهوائية لمدة نهار كامل دون النزول من فوقه. ومن الشخصيات الاخرى التي كانت تعمل في نهاية شارع النجفي في منطقة البريد القديم قرب محلات اولاد عفر ( الملا امين الاوته جي ) وهو في الاصل من الهند ... !!

 ثم تأتي بعد دكان محمد علي من اسفل شارع النجفي ثلاثة دكاكين اسواق لصاحبها عبد الجبار، وبجانب المحلات دكان منقل احذية كردي اسمه حاجو. وبجانبه باب يصعد الى طابق علوي يؤدي الى عيادة الدكتور نافع الخياط ، ثم يلتصق بجانبه محل ازهر ابو الجرائد ومن ثم دكانتين لصاحبهما امهيدي ابو نصرت ومن ثم يأتي محل احذية (القونده رجي عبد القادر الاحمر) ثم بجانبه محل خياط الفرفوري ملا علي الذي كان يلبس القواري المفطورة بالسفايف المعدنية ويستخدم في ذلك ماة اللحيم من مسحوق البلول و يقوم بالثقب بالقوس و مثقب في عمله بمساعدة ابهام رجله الايسر وبعده محل الخياط ناظم رؤوف (ابو أياد ودريد) ، يليه باب يؤدي الى عيادة في الطابق الأعلى وهي عيادة طب العيون للدكتور عبد القادر الجوادي وتحتها تقع صيدلية عبد الموجود. التي افتتحت سنة 1944 لصاحبها الصيدلي عبد الهادي عبد الموجود وبالمناسبة فقد قال الباحث حازم البكري في آخر مقابلة له على فضائية الموصلية ان صيدلية عبد الموجود هي اقدم صيدلية في الموصل، الا ان الحقيقة ان هناك صيدليات كثيرة اقدم منها وعلى سبيل التمثيل صيدلية محفوظ لصاحبها جمال محفوظ و الصيدلية العربية لصاحبها ( المحضّر ) زكر عبد النور و الصيدلية المركزية و الصيدلية الوطنية لصاحبها ناصر سرسم و صيدلية قصير و صيدلية عباجي و صيدلية شاشا . راجع بحثنا عن الصيدليات في الموصل من العشرينات الى الخمسينات في مجلة مناهل جامعية وفي موقع ملتقى ابناء الموصل - حلقات سابقة. ثم تأتي بعد صيدلية عبد الموجود مكتبة ذنون المصري وتحوله الى هنا بعد هدم دكانه الاولية ، ويليه محل حسين الجبوري ايضاً وبعد ان هدم دكانه ايضاً . ثم يأتي في الارتصاف محل يصعد اليه بدرجة واحدة هو الخطاط نوري السعيد (ابو هشام) وهشام هذا صار فيما بعد ضابطاً في الجيش العراقي وهو من اصدقائي (انا الباحث) وسكنوا في فترة ما بالقرب من دارنا في الجامع الكبير في مكانٍ لا يبعد كثيراً عن قهوة السويدية ذهاباً الى المكاوي من الزقاق الضيق . ويأتي محل حازم الطائي وفي السرداب الذي تحته يوجد مخزن لخزن مواد اولية وصاحبها قونده رجي . ثم تأتي ثلاث محلات اصحابها قونده رجية احدهم منسي اسمه والاخران وعد وغانم . ثم يأتي محل تصوير (استوديو الاهرام) والمعروف عن صاحبه انه من بيت الداغستاني و كان عريفاً مصوراً في القوة الجوية وتعلم هذه المهنة هناك . ثم يأتي محل ناظم كامل (البطل في رياضة كمال الاجسام وترتيبه السابع على العالم في الخمسينات) ومحله مخصص لبيع الشاي والسكر والقهوة ، فضلاً عن ان محله كان ملتقىً لمجموعة من الشباب المثقف (السبورتية) ثم صار مقرئاً للقرآن الكريم في تلفزيون الموصل فيما بعد . ومباشرةً بعده يأتي زقاق فرعي يؤدي الى دكان الصياغ من جهة الشمال ومن جهة اليمين الى مكاتب جريدة فتى العراق ويقابلها محل النجار الشهير احمد حسين الحماوي ويجاوره مستورد الطباخات ومصلحها ثلاث بانقات يونس الحاج طه .
نعود الى استمرارية شارع النجفي ونقول أن مسجد العباس ومنارته الشهيرة المصنوعة من الحديد والتي اشرف على بنائها في العشرينات المغفور له عبد الباقي جلبي آل الشبخون والتي تقابل من زاويتها محل ناظم كامل في الزاوية الأخرى . يأتي في الاصطفاف ثلاث محلات لقونده رجية يبيعون الصنادل والنعالات الخاصة بالاطفال واليافعين . ثم يأتي محل تاجر الزجاجيات والكرستالات عبد الكريم اليوزبكي بعد ان جاء الى هنا انتقالاً من محلات اليوزبكية في باب السراي في الاربعينات . وبجانب محل اليوزبكي يوجد باب يؤدي الى طابق علوي لدور حج محمد النجيفي ومجلسه . بعده يوجد ثلاث محلات اصحابها صياغ. ثم يأتي محل ابو سالم الخابوري وهو مختص ببيع اللبن الخاثر القادم من اطراف مخمور وديبكة والقرى الكردية التابعة لناحية الكوير والكلك . وكثيراً ما كنت في صغري يكلفني والدي ان أذهب لجلب قدور اللبن المغطاة بالخرقة والملفوفة بالحبال السوداء المصنوعة من صوف الماعز والتي كان قد اخبرنا عن جلبها لنا بعض شركاء والدي في الاراضي او في الزراعة من أغوات تلكم المناطق.
ثم يأتي (حديد الصياغ) وهي عبارة عن بواري بقطر خمسة انجات وضعت بشكل مانع لعبور المركبات وتسمح لدخول المشاة الى سوق الصياغ . ثم يأتي بعد الحديد المانع محل الحلاق حاج حسن والد كل من خيري وسالم وخالد ، واذكر ان للمحل شبابيك (بونجورات) تطل على شارع النجفي . ثم يأتي بجانبه محل القونده رجي (اليهودي الديانة خضوري حلوبة) الذي ابدل ديانته فصار (بهائياً) وكان قصير القامة له حدبة في ظهره إذا قام او مشى . وبجانبه محل خياطة الهلال (ملكي وعسكري) لصاحبيه الخياط ناظم عبد الله مصطفى وشقيقه حسام الدين عبد الله مصطفى (ولدي عم الباحث) . ثم يأتي محل حج محمد (اسواق) لبيع المعلبات والحاجيات المنزلية .
وفي الركن الأعلى المواجه لشارع نينوى يأتي مقهى ابن عبو اقديح وهو يشكل ركناً مع الشارع ، ومن المشهور عن هذا المقهى ان صاحبه كان مغرماً بتقديم اغاني السيد احمد ابن السيد عبد القادر الموصلي (ابن الكفغ) ويمتلك قاوانات وكرامافونات من الانواع النادرة جيدة الصنع من ماركة ابو الكلب . ثم صار فيما بعد الى جواره استوديو اسامة ، وتقع فوقه في الطابق العلوي مديرية معارف لواء الموصل والتي صارت سنة 1959 مقراً لاتحاد الطلبة. وتقابل مديرية المعارف من الجهة الاخرى لشارع نينوى دارة بيت جميل جمعة والذي صار في بداية الستينات مقراً لمصرف الرافدين الواقع قبلاً مقابل البريد وبعد هدمه . ومن هناك يبتدئ شارع النبي جرجيس (سوق الشعارين) صعوداً الى محلة إمام ابراهيم ورأس الكور ودكة بركه ومن ثم محلة الشفاء وصولا ًالى المستشفى ودور آل العاني .
وفي الجهة المقابلة لشارع نينوى والتي تبدأ من بداية شارع النبي جرجيس المقابل لدورة شرطي المرور والمقابل لبداية شارع النجفي المبتدئ بمقهى (ابن عبو اقديح) ، اقول يقع في زاوية الركن محل عوني ابو السندويج وبجانبه بيت جميل جمعة كما ذكرنا والذي استأجره مصرف الرافدين زمن إدارة السيد حميد حديد وهو شقيق الطبيب عبد الوهاب حديد . ويقع فوق محل عوني مقر الحزب الشيوعي في الموصل (اللجنة المحلية) ، وقد ذبحوا خروفاً تبركاً بخروج الزعيم عبد الكريم قاسم من المستشفى إثر تعرضه لحادث الاغتيال سنة 1959 وسمي ذلك العيد (بعيد السلامة والابتهاج) .
وفي الزاوية المقابلة لركن عوني يقع محل (توما أبو العغق) وبجانبه دكان احمد بائع البايزكلات ثم يأتي محل النجار فضيل وبجانبه ابو حاتم (مركب الاسنان) . ويأتي محل محمود الجايجي وتقع أمامه فسحة عريضة من الرصيف ، ومعروف عنه ان اغلب زبائنه من سهّار الليل وسائقي التكسيات . وقد كان يضع راديو على رف مثبت على الحائط مباشرةً على الشارع ، ويعمل على رفع صوت إذاعة الراديو بأعلى صوته عندما تنعقد محكمة المهداوي (محكمة الشعب) ... وكان من عادته ايضاً ان يكشخ وقت ان يرفع صوت الراديو ويلعلع صوت المهداوي ، وعندما تمر من جانبه الكثير منه سيارات التكسي يحيونه من بعيد بطريقة ضرب الزمورات والهورنات مرتين وثلاث ، ومنهم من يصرخ فيه (محمووووود ...!!) فيجيبهم محمود واحداً واحداً بدون كلل ولا ملل ولا زعل ... (امسكك العامود...!! ) وبجانب محل محمود يقع دار المعلم سالم القصاب وهو معلم عمل ردحاً في مدرسة الحسينية التي شغلت في يومٍ من الايام (بيت المستنطق) وهو بيت حاكم التحقيق يونس جودت الرمضاني والذي يكنى (بيونس بحري الثاني) . وتقع المدرسة مقابل قهوة السويدية في منطقة ما بين باب الجبلين وبيت الحاج ياسين القصاب وبيت الحاج يونس الجماس والطريق المؤدي الى المكاوي وآخر يؤدي الى باب النبي والرابع يؤدي رجوعاً الى محلة الجامع الكبير (تحت الكغسي) ومن هناك الى شارع الفاروق والكشاملة والسناجرة وخان الدقاقين . أما ابراهيم (باتري) ( لُقب بالباتري لانه اول من أدخل الراديو على الباتري في تلك المنطقة ) فكان مستأجراً دائمياً لقهوة السويدية من دائرة الاوقاف ، واشتغل عنده في يوم من الايام عزيز الاعوغ بياع الدوندرمه في الصيف والمستوى في الشتاء وهو شقيق حياوي ونجيب وخالد ، وكان عزيز هذا بارعاً في رمية الجطل . فكان إذا ما استثير الى عصفور يقع في دار محمد القدو على اعلى نشز من الارض وهو واقف وراء عربانته ، كان يخرج الجطل من عبه ويعوص العين اليسرى ويرمي رميته ويقول للواقفين حوله (غوح جيبو) أي جيب العصفور او الطير القلاش وكان لا يخطئ ولا مرة واحدة في الرمية الصائبة من بين عشرة آلاف رمية ثم كان سباحاً ماهراً يقفز طيارة من أعلى حجر من قره سراي . وفي زمن الاضطرابات بعد سنة 1959 غادر الموصل الى بغداد وانقطعت اخباره . وقد اكتشفت اخيراً سنة 2010 في زيارة لي لشارع النجفي وفيها مكتبة اولاد اسماعيل الكتبي هيثم واخوته ان ابراهيم باتري هو اخو والدهم اسماعيل أي عمهم .... ويعد هذا الاكتشاف في ذاكرتي المتأخرة شيئاً جديراً بالتسجيل ... واقول كيف فاتتني كل تلك حفنة السنين وانا لم اقتنص تلكم المعلومة . وبجانب دار سالم القصاب المعلم يقع محل سيد يونس المضمد ثم محل احذية شذى لصاحبه احمد الطويل، ثم تاتي عيادة الدكتور عبد الله سرسم وكان يصعد اليه بثلاث درجات ربع دائرية وقبل هدم المحل وبناء عمارة باسم الدكتور نفسه .
ثم يأتي محل حنا جقماقجيان مركب الاسنان ، وكان الرجل هاوياً لتربية الخيول وتأصيلها وجمع اخبار سباقاتها ، وكان يحدثنا دائماً سواء كنا زبائن او ضيوف عن السباقات وعن الرهانات وعن اسماء الخيل واسماء مالكيها . ثم يأتي فرع يؤدي الى محلة عمو البقال والى اليمين مباشرة منه باب تؤدي الى مقهى محمود (خاصة بالمعلمين) ، ومعروف عن محمود انه كان يقدم اغاني أم كلثوم وكل الاغاني القديمة . وبجانب فرع الزقاق محل سيد حسين الخياط الذي يقابل الى الجهة الاخرى من الشارع محل (حمادي ابو الفاكهة).
**********

تكملة وصف دكاكين شارع نينوى من الجهة اليسرى و نحن وجوهنا باتجاه دورة الساعة

· نبدأ من زاوية طريق يؤدي الى سوق الصغير ( في موقعه اليوم ساحة لوقوف السيارات مجاورة لصيدلية العّلاف ) , و الطريق يؤدي الى سوق الصغير من جهة و الى مدرسة النجاح الابتدائية و الى المدرسة الغسانية من جهة اخرى والى دور آل العزاوي تجـّـار الاغنام , و من هناك نعود القهقرى الى قنطرة القطانين و الى السرجخانة

· محلات حمادي ابو الفاكهة تقع في ركن الطريق المتقاطع مع شارع نينوى , و بجوارها محلات حواء لصاحبها لقمان يونس الحمو , و من ثم صيدلية زكر عبد النور و فوق الصيدلية تقع شقة عيادة الدكتور اسماعيل حاوا .

· محل صياغة زغلول الدكبر و هو شقيق الصايغ صديق الدكبر الخبير في الطب الشعبي و ولديه توفيق و يحيى . و بجانبه دكان البقال الحاج احمد الملقب ( علي قدح ) و لا ندري لماذا لُقب بهذا اللقب , و فوق الدكان شقة لها باب صغير يُصعد اليها بدرج تسكنها عـجـوز مسيحية اسمها ( نجمة ) و أخوها قس يسكن فرنسا و هي مقيمة في الموصل وحدها

· محل ياسين ابو القرص نعناع و الملبس و الجكليت , و هو شخص غريب الاطوار صامت لا يكلّم احداً معظم الاحيان , و من المعروف عنه انه لم يقفل محله منذ يفاعته حتى وفاته عدا ايام الاضرابات و منع التجول , و لم يدخل في حياته حماماً عاماً و لم يغتسل بماء حار بل يسبح طول عمره و على نحو خاص في ايام الشتاء في نهر دجلة و بالماء البارد .

· محل حلاقة خضر الحلاق (أبو زهير ) وزهير هذا يعمل الان موظفاً لدى مصرف الموصل للتنمية و الاستثمار . و يقع بجانبه محل بقالة يديره الحاج حسن و ولديه و يتألغ من بانقتين صغيرتين و الاب من بيت المصلوب والد مرعي الذي كان في صدر شبابه قطباً من اقطاب اتحاد الطلبة و عضو المكتب التنفيذي و نائب الرئيس خليل عبد العزيز , و قد ترأس مرعي سنة 1959 وفداً طلابياً عراقياً الى الصين الشعبية

· بجانب دكان الحاج حسن يأتي باب و درج يصعد الى طابق علوي فيه عيادة طب الاسنان للدكتور رغيد الجلبي . ثم تأتي محلات هاشم القونده رجي والد الدكتور الجرّاح عماد هاشم , ثم يأتي محل فهمي الشكرجي للبقلاوات و الحلويات و بجانبه محل يصعد اليه بثلاث درجات يؤدي الى ستوديو ( رافي الارمني ) .

· محل الحاج عبد الغني ابن الشيخ علي ابو الكيك لبيع المعكرونة و الحجي باده و البقلاوات بكافة انواعها فضلاً عن السجقات و لقمة القاضي

· صيدلية الشعب لصاحبها شفيق محمد علي الهس ... ثم صار اسمها صيدلية شفيق.

· محل هاشم التوتونجي و بجانبه باب تؤدي الى مقهى الفجر العربي

· محل عبد الوهاب ابن احمد الجعية لبيع الفاكهة .
ترتيب المحلات واسماء اصحابها صعوداً من دورة البريد القديم الى اعلى شارع النجفي مبتدئين بالجانب الايسر

يبدأ اول الشارع بدكان غانم المصور الذي كان يوزع صور ضحايا حركة الشواف والضباط القوميون . يقع بجانبه محل مجيد ابو الجرايد ، ثم تأتي مكتبة الشباب لصاحبها هشام الكركجي وبجانبها ترتصف مكتبة الخيام لصاحبها حسين الجبوري ثم تأتي مكتبة الجزائر لصاحبها هاشم العسلي وتقع قربه مكتبة العروبة لصاحبها حميد عروبة . ثم تأتي بعدها المكتبة العراقية لصاحبها ذنون المصري ثم مكتبة اسماعيل الامين وبجانبها المكتبة العصرية لصاحبها رؤوف الصائغ واولاده ادمون وفريد وعماد و كان رقم تلفون المكتبة العصرية ( تلفون 286 ) ثم تأتي المكتبة العربية لصاحبها عبد الرحمن الكركجي و رقم تلفونه ( تلفون 312 ) و ذلك حسب احصائية بريد و تلفونات الموصل سنة 1939 .
وتأتي احذية السلام لصاحبها ذنون في المرتصف التالي وبجانبه خياطة فرج لصاحبها فرج المختار . ثم تأتي مكتبة عبد الرحمن نصار صاحب مكتبة الأهالي وبجانبها احمد اسماعيل مصحف الكتب ثم يأتي محل محفوظ المصور وهو شقيق عبد العزيز المصور الذي يقع محله في السرداب على الجانب الاخر من الشارع وكان يطبع افلام المصورين الخاصة ولديه ختم مميز باسم المصور عبد العزيز احمد لغسل و طبع الافلام وكان عريفاً سابقاً في القوة الجوية. ثم تأتي مكتبة العسلي لصاحبها عبد العزيز العسلي ابو رائد ثم صارت فيما بعد الى شقيقه مقداد العسلي . وكان اصحاب هذا المحل مسيحيين اتخذوه مخزن للتحفيات وبيع القمصان والجواريب والاحذية . ثم تركوه سنة 1959 مهاجرين الى بغداد إثر الاحداث والاضطرابات التي حصلت في الموصل في الفترة تلك وجاء بعدهم عبد العزيز العسلي ليتخذه مكتبة . ثم تأتي العوجة الضيقة المؤدية الى بيت حج حسين جلبي حديد ، ومن ثم جايجي دكان صغيرة ومحل حازم الطائي لبيع مواد الاحذية وبجانبه حازم ابو الشربت ثم يأتي محل ابراهيم صاحب مكتبة النجوم الذي يبيع صور الممثلين والممثلات المصريين على نحوٍ خاص . وبجانب مكتبة النجوم يأتي محل قرطاسية لصاحبه سعيد الدهان وزوجته ماري اللبنانية التي تتواجد في المحل طيلة النهار ، وكان من قبل محل احذية ثم قلبه الى مكتبة وقرطاسية . وبجانب سعيد يأتي محل غانم الإمنقل المسيحي ثم مكتبة المعارف لصاحبها احمد شهاب والتي تأسست سنة 1931 . ثم يأتي محل القوندرجي خالد . وفي هذه المنطقة ذهبت 12 دكاناً جراء الهدم والاعمار سنة 1966 . ويأتي فيما بعد دكان اسماعيل الامين صاحب مكتبة المنار ثم محل محمد المصحف وهو شقيق مصطفى أفندي المعلم (ابو زهير) وهم من بيت نجولة وهو والد الطبيبة هدى . ثم تأتي بيوت آل شبخون عبد الباقي و عبد المجيد و صالح و احمد والتي هدمت فيما بعد وصارت عمارة كبيرة تضم عشرات المكتبات والمحلات في الداخل وتطل على شارع النجفي من جهة وعلى الفرع المقابل لمحل زهير الخطاط . ثم يأتي محل محمد ثامر ابو التصاوير والمجلات ثم محل هيثم ابن اسماعيل الامين صاحب مكتبة المنار ويأتي الزقاق وداخله مجموعة مكتبات دينية وفي الركن الثاني من الفرع يقع محل محمد ابن حج حمو الكغدي (ابو مبشر) وصورة محله مرفقة طي هذا البحث . وقد تعارف كثير من زبائنه على تسميته (محمد تمّمه) لأنه كان دائم التكرار على الزبائن بالشراء فإن قلت له اعطيني ملبس بعشرين فلس وبعد ان يضع الملبس في الميزان يقول يابا هاي صاغت ابخمسة وعشرين ...! وان قلت له اعطيني قرص النعناع بعشرة فلوس يقول هاي صاغت ابخمسطعش ... ثم يعطيك قطعتين من الملبس ويقول تفضلوا كلوا و طعموا ضيفكم العزيز .
وبجانبه تأتي مكتبة سيد علي النعيمي صاحب مكتبة الامين والذي افتتح المكتبة كما ذكر لي أولاده المرحوم تحسين الخطاط والضابط اسامة سنة 1941 وكان يومها ابن 22 سنة وهو وحيد امه ومن مواليد 1919 . ثم تأتي مكتبة حواء لصاحبها عامر وسفيان محمد التوتونجي . ثم يأتي محل حلاقة سلطان ونجم بانقتين . ثم تأتي احذية بلقيس ومحل اخر للأحذية ومحل حازم ابن قاسم الصائغ ويأتي زقاق فرع يقع في طرفه دكان الاوته جي جمال وبالقرب منه محل لبيع الدوندرمة . وفي رأس الزقاق من طرف الشارع دكان الشريكين الصائغين حاج عبد وعزيز الأغا ابو رياض ودكتور حميد . ثم بعدها تأتي دكاكين صياغ ثم دكان ابو الشربت ثم دكان الصائغ نديم السنجري . وفي رأس الفرع الضيق دكان بقاله لصاحبه حامد الاقجم وبجانبه سالم الشكرجي (حلويات سالم) الذي ذكرنا شيء عنه قبل هذا. وبجانبه دكان الشكرجي يونس ذنون شقيق حمزة ذنون و الذي كان قد ذكره الكاتب اسامة غاندي في احدى مقالاته في موقع ملتقى ابناء الموصل عن محل سكناهم في محلة رأس الكور في المفترق النازل الى المكاوي و قال شيئاً طيباً عن صفات يونس و والدته المكافحة في عمل الحلويات و التي من كرمها تطعم الرائح و الغادي ... لينتهي شارع النجفي من جهته اليسرى بدكان بائع الفاكهة احمد ابن جعية وهو شقيق لاعب كرة القدم ومدرب فريق معمل النسيج محسن جعية .
***

وجراء استمرار انحياز شارع النجفي صوب الاتجاهات غير المعنية بعالم الثقافة والمعرفة ، فضلاً عن طغيان محلات تبيع السميط وتتاجر بالمعجنات والبقلاوات وتعرض صواني (الشكرلمة) واطايب (الحجي بابا = بادا) فقد شحذ هذا الحال همم كثير من المواصلة من ذوي القلوب الشفافة ، المتعاطفين وذكريات التراث الثقافي لمدينة الموصل ، فكتب الخطاط حسيب احمد الحمداني (وهو واحد من كثير) رسالة الى جريدة فتى العراق ، حملها بيده وسلمها بيد رئيس التحرير المرحوم احمد سامي الجلبي ، لينشرها الأخير في الجريدة بعددها ذي الرقم 231 بتاريخ 18 أيلول سنة 2008 تحت عنوان (حزمة ضوء - وداعاً شارع النجفي) . وبعد ان يطرح الخطاط الحمداني مقدمات تجواله في الشارع وسماعه أصوات نشاز للباعة العارضين بضائعهم وسخف مناداتهم عليها وحركاتهم الصبيانية التي تقلل كثيراً من وقار الشارع وزواره طلبة العلم وأهل الثقافة ... وصل الى قوله : ... أخذت ابحث عن باعة الكتب فوجدتهم قد انزووا الى الجهة اليسرى من الشارع البعيدة عن المدخل ... نسيت أمر الكتاب عندما جاءتني دفعة من هذا وأخرى من ذاك . ووقفت افكر ... هل أعود من حيث أتيتُ ؟! اخذت انظر ذات اليمين وذات الشمال فرأيت محلات الحلويات والبقلاوة في جهة اليمين تجاوزت في العرض على أكثر من ربع مساحة الشارع ... والمحلات في الجهة المقابلة قد فعلت الشيء نفسه ، ناهيك عن بائعي الكيك والطرشي وبقية (البسطات) المفترشة وسط الشارع . وهنا أحسستُ بأن شارع الثقافة والعلم والمعرفة بدأ يتحول في اتجاهات لها علاقة بالمعدة أكثر من علاقتها بالعقل وبالفكر ... فبعد كل ليلٍ بهيم تشرق الشمس على صباح تتحول فيه المكتبة الى اشياء أخرى ... ولذلك أقولها بكل أسف من قلب جريح ... وداعاً شارع النجفي .
وبالمناسبة ، فقد خطر على بالي وانا أنهي تجوالي في الشارع قولاً مأثوراً جاء بشكل قصة قصيرة جداً للكاتب والباحث الاستاذ معن عبد القادر آل زكريا ... يقول فيه :
(قالت زوجتي) : ماذا تفعل بهذا الكم من القرطاس والكتب والأقلام والقصاصات ...؟! ماذا تساوي كتبك في السوق ...؟! بكيتُ ... لأن المكتبات تحولت الى مطاعم ...!
*********

وعلى وفق أحوال التطور والتغيير التي أصابت بلدنا العراق ومنها مدينة الموصل ، فقد رأينا اضطراباً كثيراً طرأ على وضع هذا الشارع حاله حال غيره من الأمور والأحوال والتقاليد ، تلك التي كنا نظنها يوماً ما انها ثابتة أو في حدود الثبات والاستقرار .... لا بل كانت تأخذنا نياتنا الصافيات ان نتوقع له ولها تطوراً يأخذ شكلاً آخر (باتجاه الأفضل) غير تلكم الهزات التي أدت في كثير من الأحيان إلى إعمال خلخلة في بنية الثوابت والمستقرات .. حتى ان خط الاتجاه الصاعد الذي كنا نرومه خطاً موجباً ، صار متكسراً ومتلوناً ... لا بل هابطاً إلى أسفل والعياذ بالله .... الأمر الذي أصاب الناس الطيبين بالذهول وبالحسرة وبالتأسف .... تلكم ردود الأفعال لا نملك غيرها نقوله على كل الذي جرى ويجري وسيجري لا سمح الله ....... !!!!
و في ختام هذا البحث المشبع بالوصف يسرنا ان نوجه تحية خاصة للاخ أزهر العبيدي على طرقه هذا الموضوع مؤخراً ... و لكل مجتهدٍ نصيب ... و دمتم
*http://www.baytalmosul.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...