الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب بقلم : الاستاذ ناطق خلوصي

ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب
 بقلم : الاستاذ ناطق خلوصي
تركت حكايات ألف ليلة وليلة بصماتها ليس على الأدب والفن العربي حسب بل وعلى العالمي أيضا ً، وبالتالي فقد كانت موضع اهتمام العديد من كتّاب وأدباء العالم ، ومصدر الكثير من الكتب والدراسات التي كُتبت وصدرت بمختلف اللغات . ويدخل كتاب " ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون عند الغرب " للدكتور صالح الصحن ( وهو مخرج تلفزيوني وأكاديمي ) في هذا الباب. يقع الكتاب ، وهو من اصدار دار ضفاف في الشارقة في 388 صفحة من القطع الكبير ، ويُستهل بمقدمتين اولاهما للروائي وكاتب السيناريو شوقي كريم حسن شاء فيها أن يتعرض لدور الحكايات في السينما فقط ، فيقول عن الكتاب انه : " نتاج جمالي يضيف إلى المكتبة العربية بل المكتبة الانسانية مصدرا ً معرفيا ً على غاية من الأهمية والقوة والجمال ، ولسوف يبقى واحدا ً من أهم الدراسات السينمية التي يمكن لها أن تكون درسا ً مهما ً في أماكن التخصص السينمي في العراق وغيره " . أما المقدمة الثانية فقد كتبها المؤلف نفسه وقال فيها : " وتأتي أهمية هذا الكتاب في استقراء تحليلي لجانب مهم في التراث العربي وهو حكايات ألف ليلة وليلة التي أنتجت من منظور حضاري آخر ، والوقوف على كيفيات التناول والمعالجة من الناحية الفكرية والجمالية ، فضلا ً عن كشف الامكانيات المسخرة في معالجة التراث العربي أو المشرقي من وجهة نظر الآخر " . وهو يحدد أهم أهداف دراسته بـ " التعرف على المنظورالفكري والجمالي للآخر ( الغرب ) في تناول حكايات ألف ليلة وليلة "، وبـ" الكشف عن المعالجات الفنية والجمالية للأعمال السينمائية و التلفزيونية التي اتخذت حكايات ألف ليلة وليلة موضوعا ً لها " .
وواضح ان هذا الكتاب في الأصل رسالة جامعية بعنوان " المعالجات الجمالية والفلسفية لحكايات ألف ليلة وليلة في الخطاب السمعي البصري العالمي " حصل عنها المؤلف على شهادة الدكتوراه ، لذلك يلاحظ المرء اهتمامه الواضح بالمعالجة الاخراجية ودور المخرج في قيادة عناصر العمل الفني .
يتوزع الكتاب على أربعة فصول ويوثق مادته أكثر من مئتين وخمسين مصدرا ً . يأتي الفصل الأول بعنوان " حكايات ألف ليلة وليلة في السردية العربية " ويتتبع جذور هذه الحكايات فيأخذ برأي الناقد الدكتور عبد الله إبراهيم الذي يقول بأن " المرويات الشفوية تنحدر عن جذور شفاهية فهي فن لفظي بالتالي " . ويعمد المؤلف إلى القاء الضوء على الحكايات نفسها : تعريفها ودلالة عنوانها ومدى ارتباطه بعدد الحكايات . ويؤكد على ان " هذه الحكايات لا مؤلف لها وقد كتبت في عصور مختلفة مما جعلها موضع جدل حول اصولها وموطن انتمائها " ، مستشهدا ً بآراء المسعودي وابن النديم في ذلك، ويشير إلى ان الحكي في الحكايات هو العمود الذي ترتكز اليه لأنها بدأت به وانتهت اليه ، مثلما يشير إلى الكيفية التي روضت شهرزاد بها شهريار ويمتدحها بالقول ان " حكاية شهرزاد حاضنة لخزين غني من المعارف المتعددة المصادر ، التي أعلنت درايتها وحفظها لها أمام أبيها الوزير " ( ص 33 ) . ثم يتناول مكونات البنية السردية والتي تتمثل بالراوي والمروي والمروي له مع تحديد خصائص كل منها وعوامل ترابطها ونجاحها في أداء وظيفتها واعتمادها تعدد الضمائر عند السرد .
ويتوقف المؤلف عند العجائبي الذي تحفل به الحكايات " لكثرة ما تتضمنه من خرافات وعجائب وغرائب وما يبتعد عن المألوف والمعقول وما هو قائم على الخيال بالدرجة الأساس " ( ص 55 ) ، حيث " تشكل السرديات العربية بمروياتها الشفوية والمكتوبة حاضنة واسعة للمتخيل السردي الذي يستمد أشكاله وصوره من الجذور التاريخية والثقافية والدينية ، وما العجائبي إلا صورة من صور هذا المتخيل ، ولكنه يختلف من عصر إلى آخر تبعا ً لاختلاف ثقافة العصر ورؤاه الفلسفية " على حد قول الدكتور عبد الله إبراهيم الذي يستشهد به المؤلف .
أما الفصل الثاني من الكتاب فقد جاء بعنوان " ألف ليلة وليلة في الثقافة العالمية " ، وهو يتحدث عن تأثير الحكايات في الفنون الأوربية ، وبشكل خاص في المسرح الأوربي حيث حظيت شخصية شهرزاد ، باهتمام العديد من الكتاب فتم بالتالي توظيفها فيما كتبوه من مسرحيات ، فيشير إلى شكسبير فضلاً على أعمال لفولتير ومولير وغوته ، مثلما يشير إلى استثمار الموسيقى العالمية للحكايات . ويمر هذا الفصل أيضا ً بدور الحكايات في الفنون التشكيلية الأوربية متخذا ًمن انتشار الطراز العربي في العمارة الأوربية دليلا ً على ذلك . ثم ينتقل إلى دور ألف ليلة وليلة في الشعر الأوربي بشكل خاص مع التوقف عند شعراء من أمثال لوركا وجوسر وشيلر ووردزورث وغيرهم ، أمثلة ً على ذلك .
أما السرد فيوليه المؤلف اهتماما ً خاصا ً ويشيرالى أعمال بارزة مثل الديكاميرون لبوكاشيو التي " تعد من أهم مصادر التراث الايطالي التي تشير الى بداية النهضة الأوربية والاعتناء بالفكر والفن " . والى جانب ذلك يتوقف عند " حكايات كانتربري" لجوسر و " اسم الوردة " لأمبرتو ايكو، فضلا ً على الأعمال القصصية لبورخس وهانس كريستيان اندرسن وتشارلز دديكنز وعدد آخر من الأعمال التي تكشف عن التأثر بالحكايات . أما في الرواية فيشير إلى أعمال مهمة لعل في مقدمتها " يوليسيز " لجيمس جويس، و" ألف ليلة وليلتان "لأدغار ألن بو ، دون أن ينسى التوقف عند " دون كيشوت " سيرفانتس ، ويختتم جولته في رحاب الرواية الأوربية عند بلزاك وماركيزالذي يعترف هو نفسه بتأثره الشديد بالحكايات وثمة من يرى ان هذا التأثر يقف وراء ظهور تيار الواقعية السحرية الذي يعد ماركيز في مقدمة رواده .
يكرس المؤلف الفصل الثالث من كتابه لموضوعة " ألف ليلة وليلة في السينما والتلفزيون "التي تشكل الركيزة الأساسية لدراسته ، لذلك كان لابد من أن يوليها اهتماما ً خاصا بحكم تخصصه في هذا الميدان . فيقدم ضمن ما يقدم في هذا المجال كشفا ً بأسماء الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي استوحت الحكايات ،ويتحدث عن اللغة السينمائية والتلفزيونية فيقول ان " المفردة الأساسية في لغة السينما والتلفزيون هي الصورة ومدى ارتباطها بالحركة وما تشكل من قيمة جمالية وجمال المضمون المنبثق من الموضوع أو الحكاية " ( ص 145) . ولأن السينما والتلفزيون يشكلان مجال نخصصه الأكاديمي الرئيس ، صار لزاما ً أن يتوسع في هذا المبحث ، فيمر ضمن هذا السياق بموضوع الجنس وتأثيره المستمد من الحكايات على هذا الموضوع ، فيقول بهذا الصدد " وقد وجد المؤلف في عدد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية العالمية حدودا ً مفتوحة في كشف المشاهد الجنسية الصريحة وبإباحية تجاوزت المألوف الشرقي والعربي " ( ص 177). ولا شك في أن مثل هذا التعامل الصريح مستمد في الواقع من الصراحة التي تتوافر عليها الحكايات نفسها في التعامل مع الجنس .
ويتوسع الكتاب في الحديث عن تكييف الأفلام السينمائية والتلفزيونية ويمر بموضوع استثمار الحكايات في أفلام الرسوم المتحركة مثل علاء الدين والمصباح السحري وأفلام السندباد وغيرها .وهو مهم ، بحديثه هذاعن التكييف ، للقارىء المتخصص بالدرجة الأساس.
يختتم المؤلف كتابه بالفصل الرابع الذي يخصصه لتحليل بعض نماذج الدراسة التي اعتمد التنويع في اختيارها . فقفد اختار الفيلم السينمائي " ألف ليلة وليلة " لبازوليني ، ومسلسل " الليالي العربية " التلفزيوني لستيف بارون والفيلم التلفزيوني " شهرزاد " لفيليب دي بروكا ، نماذج لهذا الغرض ليغطي هذا التحليل ما يقرب من نصف عدد صفحات الكتاب .
لا يسع المرء إلا أن يشيد بالجهد الكبير الذي بذله الدكتور صالح الصحن في هذا الكتاب الذي جاء متكاملا ً ووافيا ًيفيد القارىء المتخصص وغير المتخصص في آن واحد !
*
" ألف ياء " جريدة " الزمان " عدد الأثنين 10تشرين الثاني2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حركة الشواف المسلحة في الموصل 8 من آذار 1959 وتداعياتها

  حركة الشواف المسلحة  في الموصل  8 من آذار 1959 وتداعياتها  أ.د. إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل ليس القصد ...