الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

الصحافة الكردية وإحياء التراث وتنمية الوعي القومي *  
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل 

      ارتبطت الصحافة الكرديـة بحركة الوعي القومي والحركة التحررية الوطنية الكردية ، ولعب بعض شباب أسرة بدرخان الذين تلّقـوا تعليمهم في الأسـتانة دوراً كبيراً في العمـل على نشر الوعي السياسـي بين الأوساط الكردية وذلك عن طريق الصحف الكرديـة التي أصدرتها في أماكن متعددة من العالم ([i]) . إذ يعتبر اليوم الثاني والعشرين من نيسان سنة 1898 بداية لذلك النشاط السياسي ، فقد أصدر مدحت بك بدرخان في هـذا اليوم جريدة تدعى ( كردسـتان ) في القاهرة ، وهي أول جريدة كردية ([ii]) . وقد لعبت هذه الجريدة دوراً كبيراً في تنمية الشعور بالقومية الكردية. إذ حاول مؤسسها بمختلف السبل تشجيع الأكراد على شـن حرب ضد الجهل وفتـح المدارس وإرسال أبنائهم إلى الخارج للدراسة ، وقد أعرب مدحت بدرخان عن شعوره بالفرح العظيم عندما التقى بعدد من طلاب ولاية الموصل الذين يدرسون في القاهرة . وقد ساهم عدد من أهالي السليمانية في إرسـال المساعدات المالية للجريدة ([iii]) ، كما كان لها مراسل في مدينة الموصل يبعث لها أخبار الولاية مما يدل على وجود نوع من التفاعل بينها وبين أكراد الموصل ([iv]) .

    انتهجت تلك الجريـدة منذ صدور عددها الأول سبيل الدفاع عن حقوق الأكراد في الدولة العثمانية . إذ هاجمت بعنف السياسة التركية تجاههم ، لذا فقد تعرضت لضغط المسؤولين الأتراك . وإزاء ذلك اضطرت إلى أن تنقل محل صدورها من مدينة إلى أخرى ، فقد انتقلت أولاً إلى جنيف ثم عادت إلى القاهرة فلندن وفولكتسون حيث نشرت عددها الأول هناك سنة 1892 ، ثم عادت إلى جنيف ثانيةً ليصبح محررها عبد الرحمن بك شقيق مدحت بك بدرخان ([v]) .
    أولت جريدة كردستان ([vi]) المسائل الأدبية الكرديـة اهتماماً كبيراً ، فقد نشرت مقالاً عن الشاعر الكردي حاجي قادر كوبي ([vii])، وعن إرساله لقصائد من الأستانة إلى كردسـتان يدعو فيها إلى الكفاح من أجل الشعب الكردي ، كما اهتمت كذلك بالتراث الكردي بنشرها مقاطع من الملحمة الكردية ( مه م زين ) و( أحمد خاني ) ([viii])والتي دوّنها سنة 1105 هجرية ( 1693) ([ix]) .

       احتلت الأحداث البارزة مكانة بارزة من اهتمام جريـدة كردستان حيث وقف مؤسسها في صف المناهضين للحكم العثماني. فكان ينشر وقائع مؤتمر باريس الذي عقد بدعوة من الأمير صباح الدين ([x]).ولم ينسَ مؤسسها تحذير الأكراد مرات عديدة من ( مؤامرات ) العثمانيين الرامية للإيقاع بين الأرمن والأكـراد ، وخلق مذابح بينهم . وقد وجّه بدرخان العديـد من النداءات قبل المذبحة التركية للأرمن سـنة 1905 . كما أشـار إيضاً إلى مطامع الدول الأوربية التي تريد استغلال الحركة الأرمنية ضد الأكراد . وهاجم بدرخان الروس هجوماً عنيفاً ([xi]) .

     فضحت جريدة كردستان أسـلوب السلطان عبد الحميـد الثاني ونواياه لاستغلال الأكراد في تشكيل الفرق المُسماة بـ ( الفرق الحميدية ) ، وبيّنت أنّ غرض السـلطان من ذلك ضـرب العناصر العثمانية بعضها ببعض ، وحذّرت العرب من قبول اقتراح السلطان عبد الحميد في تشكيل فرق حميدية من العرب أيضاً . ودعتهم إلى الأتحاد مع الأكـراد والأرمن وغيرهم ضد الاستبداد الحميدي الذي أعاد كردستان وغيرها ، على حد قول عبد الرحمن بدرخان ، إلى ألف سنة من التخلف ([xii]) . ولم تنفك ( جريدة كردستان ) عن الدعوة إلى تدعيـم فكرة الاسـتقلال الكردي ، والعمل على تشكيل جمعيات كردية في مختلف الأقطار الأوربية وفي الأستانة والمدن التركية الأخرى([xiii]). وعلى الرغم من هذه المواقف السلبية من الدولة العثمانية ، فإنّ البدرخانيين أصحاب جريدة كردستان لـن يتناسوا حقيقـة شعورهم الإسلامي ، في حالة تعرض الدولة العثمانية لأي خطر خارجي ، فقد أصبح موقفهم من قضية كريت ومسائل الشعوب البلقانية لا يختلف عن موقف اخوانهم العرب ، ذلك الموقف الذي ينطلق من زاوية المشاعر الإسلامية وحدها ([xiv]) .

     وجّه الانقلابيون بعد إعلان الدستور سـنة 1908 دعوتهم لأولئك القادة من الشبّان الأكـراد للعودة إلى الأستانة ومواصلة نضالهم هنـاك . وقد عاد هؤلاء الشبّان وبدأوا يطالبون بكل صراحة بحقوق الشعب الكردي عن طريق إصدار الصحف والمجلات وتأسيـس الجمعيات الكردية شأنهم في ذلك شأن عناصر الدولة العثمانية الأخرى ([xv]) .

     أصدرت جمعية ( كورد ترقي وتعالي ) أي جمعيـة ترقي وتعالي الكرد سنة 1908 جريدة بأسم ( كردستان ) لتكون امتداد لجريدة كردسـتان الآنفة الذكر . وقد تولى رئاسة تحرير هذه الجريدة الأمير ثريا بدرخان . وساهم عدد من مفكري الكرد وزعمائهم في دعم هذه الجريدة ، ومن هؤلاء الشيخ عبد القادر الشمزيني ، وأمين علي بدرخان ، والداماد أحمد ذو الكفل باشا ، والجنرال شريف باشا ([xvi]) .

      أما جمعيـة هيفي ( الأمـل ) الكردية فأصدرت سـنة 1911 مجلة أسبوعية باسم ( روژ كورد ) أي يوم الكرد باللغتين الكردية والتركية ([xvii]) . وكان لهـذه المجلة أتجـاه قومي واضح ، حيث حملـت على أغلفتها صور العظماء الأكراد ، أمثال : صلاح الدين الأيوبي ، وكريم خان زند . وأخذت هذه الجريدة تبث الوعي القومي في نفوس الأكراد ، واستمرت في نشاطها حتى سنة 1914 . إذ أبدلت أسمها إلى ( هه تاوي كورد ) أي: شمس الكرد. وقد كتب فلاديمير مينورسكي عندما كان قائماً بأعمال السفارة الروسـية في طهران عن مدى تأثير هذه المجلة في المناطق الكرديةى يقول : " اعتقد أنها كانت رائجة وواسعة الانتشار بين الأكراد . وقد سمعت شخصياً عن المجلة في مناطق السـليمانية حيث الأمـراء المحليون والمثقفون يهتمون بالمسألة القومية بحيوية ونشاط ([xviii]) .

     صدرت معظم هذه الصحف خارج المنطقة الكردية من ولاية الموصل ، إلاّ أنّ أصداءها انعكست في هـذه المنطقة ـ كما رأينا ـ ولكن ثمة جريدة صدرت في بغداد في 8 شـباط سنة 1914 باسم ( بانَك كرد ) أي : صوت الكرد لصاحبها ومديرها المسؤول جمال الدين بابان ([xix])، اهتمت بمسائل نشر التعليم ودور الثقافة في حياة الأمم . وساهمت في إحياء التراث الكردي ([xx]) . ومن المقـالات التي تضمنها العـدد الأول مقـال بعنوان : " الأكراد وديار الأكراد " بقلم حقي بابان ، ومقال بعنوان : "  نظرة في تاريخ الكرد " بقلم شكري الفضلي . وقد صدرت هذه الجريدة باللغتين التركية والكردية مرة في كل خمسة عشـر يوماً ، لم يكتب لها البقاء بسـبب نشوب الحرب العالمية الأولى ، فاضطر صاحبها أن يحجبها عن القرّاء بعد أن أصـدر منها خمسة أعداد فقط  ([xxi]) .
*من رسالة الماجستير التي قدمتها الى كلية الاداب -جامعة بغداد 1975 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مقدمات العلاف

   مقدمات العلاف خلال سنوات طويلة، تشرفتُ بكتابة مقدمات لكتب ، اصدرها كتاب ومؤرخون واساتذة اجلاء .. ومراكز بحثية رصينة صدرت تتعلق بموضوع...