الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

ردود الفعل الموصلية على السياسة المركزية العثمانية 1913-1918* ا.د.ابراهيم خليل العلاف

ردود الفعل الموصلية على السياسة المركزية العثمانية 1913-1918*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس-جامعة الموصل

                  سـار الأتحاديون (جماعة حزب الاتحاد والترقي الحاكم ) منذ سنة 1913 وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى بسياسة مركزية شديدة  أثارت حفيظة القوميات الأخرى في أرجاء الأمبراطورية العثمانية ، وقد انعكس ذلك بطبيعة الحال بردود الفعل القومي بين العرب والأكراد في ولايـة الموصل عن طريـق المؤسسات التي مارسـت نشاطاً ملحوظاً في التوعية القومية عن طريق المطالبة بالحكم العسكري .

    أما بالنسبة للقومية العربية فقد تمثلت في كل من فرع حزب اللامركزية وفرع جمعية العهد العسكرية وجمعية العلم .

فرع حزب اللامركزية الإدارية العثماني :

      تأسـس حزب اللامركزية الإداريـة العثماني أواخر سنة 1912 في القاهرة ([i]) ، وهدفه السعي لتطوير أسلوب الحكم في أقطار الدولة العثمانية على أساس اللامركزية . وبعبـارة أخرى منح كـل ولاية قسطاً كبيراً من الاستقلال الإداري حتى تستطيع تنفيـذ الإصلاحات الضرورية ومقاومة أي غزو أجنبي في حالة تعذر مساعدة الحكومة المركزية لها خشية أن يتكرر ما حدث في طرابلس . وقد كان من أهداف هذا الحزب أيضاً أن تكون في كل ولاية لغتان رسميتان : اللغة التركية واللغة المحلية . وأن يؤدي شـبّان كل ولاية الخدمة العسكرية داخل ولايتهم في زمن السلم ([ii]) .

     كما ظهرت في بيروت أواخر سنة 1912،بعد تأسيس حزب اللامركزية هيئة إصلاحية باسم ( لجنة الإصلاح ) تألفت من ستة وثمانين عضـواً من جميع الأديان ، وكانت خطتها تهدف إلى التطبيق العملي للمبـادئ التي نادى بها دعـاة اللامركزية ([iii]) . وقد أعلنـت لجنة الإصلاح منهجها في أواسط شباط 1913 ونشرته على نطاق واسع في الشام والعراق . فعمدت السلطات المحلية إلى مطـاردة بعض أعضائها ، غيـر أنها أضطرت تحـت ضغط المظاهرات التي عمّت بلاد الشام أن تطلق سراح القادة المعتقلين وتعلن عزم الحكومة على القيام بالإصلاحات على أساس اللامركزية ([iv]) .

     أصدر الأتحاديون في 5 آيار سـنة 1913 قانوناً جديداً للولايات ، جاء على النقيض تماماً مما هدفت إليه مناهج لجنة الإصلاح وحزب اللامركزية الإداريـة العثماني . وقد اعتبـره الكثيرون خطوة مقنعة نحـو المزيد من المركزية ، وزيادة وطأة الأسـتانة على الولايـات العربية ، وتقوية قبضتها الخانقة على الحرية ([v]) .

ردود فعل ذلك القانون :

      واجه القانون الجديد ، بعد نشره ، مقاومة شديدة في الولايات العراقية الثلاث ( الموصل ، بغـداد ، البصرة ) ([vi]) . فأخـذت الصحف تندد به ، وكتبت جريدة صدى بابل في عددها الصادر في 25 آيار سنة 1913 تقول : " أي قدرة تقدر على إفهام أخواننا الأتـراك أنّ العرب في الدولة هم أخلص العناصر وأصدقها وأشدهم تمسكاً بالجامعة العثمانية . إنّ أخواننا يعلمون ذلك ولكنهم لا يريدون أن يعترفوا ، يريدون أن يتجاهلوا الأسباب " ([vii]) .

     تبنى طالـب النقيب في البصـرة مهمة معارضـة القانون ، فعقدت الاجتماعات برئاسته . إذ قـرر فيها البصريون الاحتجـاج على هذا القانون المجحف بحقوق الوطن والاستمرار في طلب الإصلاح ([viii]) .

     أما في الموصل فقد أبرق وجهاء البلدة إلى الأستانة يطلبون عدم تطبيق قانون الولايات الجديد باعتباره غير كافٍ لإصلاح ولايتهم . ونشرت جريدة صدى بابل هذا الخبر في عددها الصادر في 18 آيـار 1913 وعلّقت عليه قائلة : أنهم ( المواصلة ) قاوموا القانون كما فعل البصريون ([ix]). أما جريدة المفيد البيروتية فقد نشرت في عددها الصادر في20أيلول سنة 1913 لائحة الإصلاحات التي أجمع عليها البصريون والبغداديون والموصليون وأسفرت عنها اجتماعاتهم ـ على حـدّ قولها ـ وتكاد اللائحة لا تختلـف عن لائحة بيروت الإصلاحية إلاّ فيمـا يتعلق بالتأكيـد على الرابطة العثمانية والعناية بالتعليم الديني ومناهضة النفوذ الأجنبي ، وفيما يلي أهم ما تضمنته اللائحة :

     المادة (4) ـ  الأعمال المتعلقة بشؤون الدولة الأساسية عائدة للمركز .
                     أما الأعمال المحلية فلمجلس الولاية العمومي .
     المادة (7) ـ  للمجلس العمومي صلاحيات واسعة ...
     المادة (9) ـ  المجلس العمومي ـ مستقل بجميع أعماله وله السلطة
                    على الوالي ...
     المادة (14) ـ  المركز يُعيّن الوالي على أن يكون عراقياً ... ([x]) .

     لقد ارتبطت الحركة الاصلاحية ، بصورة خاصة ، بحزب اللامركزية الإدارية العثماني في القاهرة . وكان من مؤسسـيه رفيق العظم وحقي العظم ورشيد رضا واسكندر عمون وعبد الحميد الزهـراوي وداؤد بركات . وقد ذكـر عبد الغني العريسي في اعترافاته أمام المجلس العرفي بعالية : " أنّ رئيس الائتلافيين صادق بك كان يتردد على رفيق العظم وجرى بينهما شبه اتفاق بحيث يكون الحزبان عوناً على إزاحة الأتحاديين من الحكم " ([xi]) .

    أسست جمعيات إصلاحية في البصرة وحلب ودمشق والموصل كان قسم منها فرعاً لحزب اللامركزية الإدارية العثماني.أما القسم الآخر فكان جمعيات مستقلة نسّقت نشاطاتها مع الحزب المذكور ([xii]) .

     أُسس في الموصل فرع لحـزب اللامركزية الإدارية العثيماني ، وكان نشاطه سرِّياً ([xiii]) ، وذلك لأن سـطوة الأتحاديين كانت في الموصل يومذاك (1913) أقوى مما كانـت عليه في غيرها من المدن العراقية ، خاصةً وإنّ خالد بك مدير الشرطة كان أتحادياً متطرفاً  ([xiv]) .
    عمل الفـرع المذكور فترة من الزمن حتى بعـد نشوب الحرب العالمية الأولى حين عثرت السلطات العثمانية على الرسائل التي كان يبعث بها حقي العظم سـكرتير حزب اللامركزيـة من القاهرة إلى محمود المحمصاني في بلاد الشام . ومن هذه الرسائل ، رسالة مؤرخة فقي 16 نيسان سنة 1914 تضمنت بعض المعلومات عن فروع الحزب المذكور ولبيان أسماء معتمديه . ومما جاء فيها : " يوجد للحزب فروع في مدن حمـا وحمص ... والموصل ... " ([xv]) . وبعد قيام جمال باشا ( السفاح ) بحملته المشهورة ضد المنتمين إلى الجمعيات العربية وحزب اللامركزية الإدارية العثمناني بصورة خاصة كتب إلى والي الموصل وكان آنذاك سليمان نظيف ( 1913 ـ 1915 ) أن ينزل أشـدّ العقاب بالمشتغلين في ذلك الحـزب ، فأجرى الوالـي المذكور التحقيقات في هـذا الموضوع فلم يهتد إلى أحد منهـم ، ولكن بعض الوشاة تبرعوا بتقديم أسماء ثلاثة أشخاص من العاملين في الحركة العربيـة وهم : سعيد ثابت ، ابراهيم عطار باشي ، وداؤد الملاح آل زيادة ([xvi]) وصادف أن كان هؤلاء من المترددين على سـليمان فيضي مبعوث طالـب النقيب إبان وجوده في الموصل سنة 1913 من أجل فتح فـرع للجمعية الإصلاحية في البصرة ، فربط الوالي سليمان نظيف بين هذا الاتهام وذاك النشـاط ، وكاد الأشـخاص الثلاثـة يذهبون إلى حبـل المشـنقة لولا إسـراع محمد باشا الصابونجي بتدارك الأمر ([xvii]) . فذهب إلى الوالي واسـتدرجه إلى موضوع اتهامهم ودافع عنهم دفاعاً حراً ، وأنكـر أن يكون لهـم أي نشاط سياسي ، وعلل كثرة ترددهم على سليمان فيضي أثنـاء اقامته في الموصل بصداقتهم الشخصية له ، ولكونه موصلياً مثلهم فاقتنع الوالي ببرائتهم ([xviii]) .
*من رسالتي للماجستير الموسومة :"ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 "المقدمة الى كلية الاداب –جامعة بغداد ،وهي غير منشورة .








 




.


,.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فلاديمير إيليتش لينين 1870-1924يعود الى العاصمة الروسية بطرسبورغ بعد عشر سنوات من النفي ليتسلم مقاليد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى 1917

  فلاديمير إيليتش لينين 1870-1924يعود الى العاصمة الروسية بطرسبورغ بعد عشر سنوات من النفي ليتسلم مقاليد ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى 1917 ا...