الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

فرع جمعية العهد العسكرية في الموصل 1913-1914* ا.د.ابراهيم خليل العلاف




فرع جمعية العهد العسكرية في الموصل 1913-1914*

ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس-جامعة الموصل


     أُسست جمعية العهد العسكرية في الأستانة بزعامة عزيز علي المصري وبعض الضباط المتحمسين للقضية القومية العربية أمثال : سليم الجزائري ، وطه الهاشمي ، وجميل المدفعي ، ونوري السعيد وغيرهم ([i]) . ولا يوجد تاريخ دقيق لنشأتها، فقد ذكر عزيز علي المصري بأنه في سنة 1912 أسس جمعية العهد العسكرية ([ii]) . بينما حدد جورج أنطونيوس بداية سنة 194 تاريخاً لنشأتها ([iii]) . أما أمين سـعيد فقد وضع اليوم الثامن والعشرين من تشرين الأول 1913 تاريخاً لتأسيس هذه الجمعية ([iv]) .
     سميت هذه الجمعية بهذا الأسم ، لأنّ انتماء أي عضو إليها يعتبر بمثابة " عهد " بينه وبين الله على خدمة الوطن ([v]). وكان هدف الجمعية الحصول على الاستقلال الداخلي للأقطار العربية ([vi]) . ويقول نوري السعيد : " بأنّ هدف الجمعية كان منحصراً في إصلاح الحال على أساس النظـام الأتحادي ( فيدارسـيون ) ... ولم يفكر أحد منّـا في الانفصال عـن الأمبراطورية العثمانية ، وإنّما كان تفكيرنا منصبّاً في الحصـول على إدارة عربية محلية ولغة عربية رسمية على أن نشترك والعنصر التركي في إدارة سياسة الدولة العامة ... " ([vii]) وبصورة عامة كان منهاجنا نفس منهاج الجمعية القحطانية التي كشفت السلطات الأتحادية أمرها ([viii]). وقد حرص عزيز علي المصري أن تقتصر الجمعية على العنصـر العسكري وحـده ، لذلك لم يقبل فيها من المدنيين غير اثنين أحدهما الأمير عادل أرسلان أحد الأعضـاء الأوائل في الجمعية السابقة ([ix]) .

      كان العنصر العراقي أكثـر العناصر عدداً في الجيش العثماني ، لذلك كانت له قوته في مجالس جمعية العهد ([x]) . وقد أنشأ الضباط العراقيون بين أواخر سـنة 1913 وبداية سـنة 1914 فروعاً للجمعية في الموصل وبغداد ([xi]) .
     أصبحت الموصل في سنة 1913 على أثر تنسيق الجيوش العثمانية بعد حرب البلقان مقـراً للفيلق الثاني عشر الذي كان بقيـادة كلٌ من أمير اللواء أسعد باشا الدرزي ورئيـس أركانه المقـدم ياسين الهاشمي ([xii]) ، وقد ضمَّ الفيلق عدداً من الضباط بالإضافة إلى ياسين الهاشمي . منهم عبد الله الدليمي وفوزي القـاوجي ومجيد حسـون وعبد الرحمن شرف ومختار الطرابلسي ومحمد شريف الفاروقي وجميل روحي وعاصم حافظ وتوفيق الحلبي ومولود مخلص وعلي جودت الأيوبي وغيرهم ([xiii]) . وكان عدد من هؤلاء الضباط على صلة وثيقة بعزيز علي المصري وغيره من الضباط العـرب القوميين في الأستانة . وبعد أن علموا بقيام جمعية العهد العسكرية في الأستانة قرروا في أواخر1913 تأسيس فرع لها في الموصل ([xiv]). وقد حمل جميل المدفعي منهاج الجمعية من الأستانة . وتحدث علي جودت الأيوبي في ذكرياته عن تأسيس ذلك الفـرع فقال : " ... أنشأنا في الموصل مركزاً ( فرعاً ) سرّياً للجمعية وباشرنا تحليف الضباط الذين نطمئن إلى ميولهم وأفكارهـم فحالفنا النجاح " ([xv]) . وقد تألف فرع جمعية العهـد العسكرية في الموصل أواخر سنة 1913 من عدد من الضباط العراقيين أمثال ياسـين الهاشمي ( ضابط بغدادي ) مولود مخلص ( ضابط موصلي ) وعلي جـودت الأيوبي ( ضابط موصلي ) ومحمد شـرف الفاروقي ( ضابط موصلي ) وعبد الله الدليمي
( ضابط موصلي ) وعبد الرحمن شـرف ( ضابط بغدادي ) وحسـن فهمي المحمود من الضباط السوريين
([xvi]) ، وأحمد مختـار الطرابلسي من ليبيا ، وفوزي القاوقجي من سوريا ([xvii]) .

      كما ضمّت الجمعية ضباطاً آخرين ، واقتصرت على الأعضاء العسكريين فقط ، وكانت اجتماعاتها سرية ، إذ يجتمع أعضاء الجمعية حيناً في دار مولود مخلص ، وحيناً آخر في دار محمد شريف الفاروقي . وكانت مراسـلاتها مع مركز الجمعية في الأسـتانة مستمرة ([xviii]) . وكان من أوائل الذين انتدبتهم الجمعية في الأستانة طه الهاشـمي وجميل المدفعي ([xix]) ، إذ وصل المدفعي مبعوثاً المركز إلى الموصل ومعه نشرات وبيانات نشاطها ، حيث أطلع عليها ياسـين الهاشمي وبلّغها إلى بقيـة الأعضاء ([xx]) . وكانت للجمعية مراسلات مع بغداد ، كما أوفدت عبد الرحمن شـرف إلى البصرة للاتصال بفرع الجمعية هناك ([xxi]) .

      قام فرع جمعية العهد في الموصل بنشاط ملحـوظ وذلك بجهود ياسين الهاشمي الذي استفاد من سـلطته العسكرية ومن تسـاهل وكيل الوالي أسعد باشا الدرزي الذي كان يعطف سرّاً على القضية العربية كما أشرنا إلى ذلك أنفاً ([xxii]) .

     وقد أتسمت أعمال جمعية العهد في الموصل بالهدوء والنظام ، وسارت على مبدأ القَسَمْ والتحليف في ضـم الضباط إلى صفوفها . كما تمكن ياسين الهاشمي في هذه الفتـرة المبكرة من إقنـاع بعض الضبـاط الأتراك بعدالة القضية العربية وضرورة ايجاد حل لهـا يضمن تعاون العنصـرين العربي والتركي ([xxiii]) .

     أدعى عبد المنعم الغلامي ([xxiv]) أنه لم يؤسس في الموصل فرع لجمعية العهد ، بل اقتصر الأمر على عقد اجتماع في دار عبد الله الدليمي الذي كان قد حمل ختم الجمعية من الأسـتانة أواخر سـنة 1913 . أما الضباط الذين حضروا الاجتماع فمنهم مولـود مخلص ومحمد شـريف الفاروقي وياسين الهاشمي وداؤد الجلبي وهو طبيب عسـكري ، وقد تبادل المجتمعون الأفكار الوطنية وتطرقوا إلى ضرورة تشكيل فرع للجمعية في الموصل غير أنه لم يتقرر فيهما بينهم تشكيل هـذا الفرع وإنّما اكتفـوا كعادتهم السابقة في ذكر مساوئ الأتراك وهضم حقوق العرب .

      إنّ ما جاء به الغلامي لا يختلف كثيـراً عمّا ذكره العمري أو لعله قد اعتمد عليه في معلوماته عن هذا الموضوع ، فقد ذكـر العمري أنّ الضباط العراقيين في الموصـل مالوا إلى فتح فرع لجمعية العهـد ، غير أن ذلك لم يتحقق واقتصر الأمر على الاستمرار في عقد الاجتماعات الخاصة التي كان يحضرها عدد من شباب المدينة الموالين للفكرة العربية ([xxv]) .

     يمكن القول بأن ما ذكره علي جودت أقـرب إلى الحقيقة وذلك لأنه من الضباط المؤسسين لفرع هذه الجمعية العسكرية في الموصل وصاحب البيت أدرى بشؤونه ، وقد ورد في مذكرات تحسين العسكري المشار إليها ما يؤكد ذلك ([xxvi]) .

     أصبح نشاط جمعية العهد في الموصل محدوداً لسببين اثنين ، أولهما : أن السلطة الأتحادية ، بعد أن أصبح لجمعية العهد نشاط كبيـر في الأستانة وتسربت الأخبار عن نشـوء فروع لها في بعض المـدن العربية ، وأنها قد لقيت تأييداً من الضباط العرب قررت أن تقاوم ذلك كله وتعمل على أن تفرق رجال هذه الحركة وتبعثرهم قبل أن يشتد ساعدهم ([xxvii])، ولهذا عقدت في يوم  24 كانون الثاني سـنة 1914 اجتماعاً خاصاً في وزارة الحربيـة حضره الصدر الأعظم( رئيس الوزراء ) سعيد حليم باشا ومحافظ الأستانة العسكري جمال ( قبل تعيينه وزيراً للبحرية ) ومديـر الأمن العـام عزمي بك . وقد درست في هـذا الاجتماع التدابير الواجب اتخاذها لمقاومـة الحركة العربية عامةً وجمعية العهد خاصةً ، وقررت عدة قرارات أهمها : تولية القيادة في الولايات العربية إلى الضباط الأتراك ، وإقصاء الضباط العرب والاستغناء عن خدمتهم فيها قدر الإمكان ، وعهد إلى جمال باشا تنفيذ ذلك ([xxviii]) .

   أما السبب الثاني : فهو نشوب الحرب العالمية الأولى ، فكان من الطبيعي أن ينفرط عقد الجمعية ويتناثر أعضاؤها ، فقـد صدرت الأوامر إلى ياسين الهاشمي بنقل الفرقة (35)من الفيلق الثاني عشر من الموصل إلى حلب ([xxix])، وكان معظم أعضاء جمعية العهـد في الموصل من ضباط هذه الفرقة . وقد انتهز جمال باشا الذي عيّن قائداً أعلى للجيوش العثمانية في سوريا ، الفرصة لكي يصفي الضباط العرب. فاستعرض الفرقة وأحال عدداً من ضباطها على التقاعد كما طرد عدداً آخر.وكان ياسين الهاشمي قد تنبأ في إحدى اجتماعات الفرع السرية ، على حدّ قول الأيوبي ، بذلك عندما قال لزملائه : " يظهر أنّ جمال باشا قد أتى إلى سوريا ليبطش بأحرار العرب " ([xxx]) .
*من رسالتي للماجستير الموسومة :"ولاية الموصل :دراسة في تطوراتها السياسية 1908-1922 "قدمت الى كلية الاداب –جامعة بغداد 1975 وهي غير منشورة .







. 





 





















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تقديم الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف* لكتاب الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي الموسوم ( رجال ونساء الخدمات المجتمعية في الموصل خلال العهد العثماني )

                          الاستاذ جاسم عبد شلال النعيمي يهدي الدكتور ابراهيم  خليل العلاف عددا من مؤلفاته المنشورة      تقديم  الاستاذ الدكت...