الاثنين، 20 أكتوبر 2014

أصداء الثورة الفرنسية في العراق الحديث د. عامر حسن فياض

أصداء الثورة الفرنسية
في العراق الحديث
د. عامر حسن فياض

امتدت خطوط الاتصال بين الشرق والغرب إلى قرون سابقة، أخذت تتوضح،عبرها، بالتدريج مصادر الأفكار الحديثة في المشرق العربي والإسلامي عموما".
وقبل الأزمنة الحديثة يمكن تدوين سجل طويل بالاتصالات السلمية المتبادلة بين الشرق والغرب، غير ان هذه الاتصالات لم تغير المواقف العدائية المتبادلة بينهما. فقد تحكمت في هذه المواقف مشاعر صاغها تاريخ طويل غلب عليه التصادم. والحقيقة ان رؤية الغرب للعرب والمسلمين منذ قرون عديدة قد درجت ضمن رؤية الغرب للاغيار عموما". وتتلخص الرؤية للاغيار هذه بموقف يشير الى وحدانية وفرادة الحضارة الغربية، كما ينكر ما قدمته الحضارات الاخرى. وقد فعل هذا الموقف فعله في نظرة الغربي الى الاخرين وسيطرته عليه، بفعل هذا الموقف،الرغبة في تشكيل العالم حسب التصور الاوربي الغربي(1).
الغرب والعرب.. علاقة تاريخية
     وانطلاقا من هذه الرؤية بقيت المنطقة العربية، لوقت طويل تشكل بالنسبة للغرب، منطقة يقطنها عدو، بسبب انتساب معظم شعبها الى الاسلام، الامر الذي لم يكن يدعو انسان القرون الوسطى الاوربي المسيحي الى بذل اي جهد لتفهم الاخر الذي كان يحرم ـ بوصفه كافرا" غير مسيحي ـ من ان يكون موضع البحث الهادىء المتزن(2).
     وبالنسبة للعربي المسلم فان الغرب المسيحي لم يكن يطرح بخصوصة، انذاك، اي تساؤل. اذ لم يكن يمثل في نظره اكثر من كارثة، وستستمر هذه النظرة شاخصة لغاية القرن الحادي عشر. وبالمقابل فان التوافد الاوربي على شكل حروب صليبية لم يكن يكشف للمسلمين سوى "وجه بغيض لاوربا"(3).
وحتى نهاية الحروب الصليبية، فان الجانب الايجابي الذي رسمه الغرب المسيحي عن الشرق الاسلامي ظل شاحبا" في الفكر الغربي وغلبت عليه الصورة السلبية. اما بعد ذلك فقد ساعدت التجارة وحاجة الغرب لعلوم المسلمين وظهور الدول القومية الاوربية الى توسيع رقعة الاتصال اضافة الى اعتدال الغرب المسيحي في موقفه من الشرق المسلم(4).
كما ازدات الرغبة في التعرف على الشرق بزيادة رغبة الغرب في التوسع الاقتصادي في عصر النهضة. ثم دشن عصر الانوار مرحلة جديدة من التعرف الموضوعي على المنطقة العربية عندما قطع الغرب علاقته، بسبب عقلانيته، بالايديولوجيا المسيحية، فتحطم،بهذا القطع، العائق الذي كان يحول دون تعرف الغرب تعرفا" موضوعيا على المنطقة، فظهر الدفاع المتحمس عن الاسلام ضد كل الافكار القبلية العدائية التي تم الترويج لها طيلة العصور الوسطى.
     ان هذا ما نتلمسه لدى (ريشارد سيمون) و (اوريان ـ ريلاند) و(فولتير) و(ليبنتيز) حيث بدأ الاسلام من خلال هؤلاء ومن خلال الجهود العلمية لهذا العصر بوصفه دينا عقلانيا، استطاع ان يتخلص من العيوب التي تشوب المسيحية(5).
     وفي القرن الثامن عشر تم النظر الى الشرق المسلم بعين الاخاء، بسبب من ان فكرة المساواة في الاستعدادات الطبيعية لدى البشر، التي شكلت الدين الحقيقي لهذا القرن، سمحت بتفحص الاتهامات التي وجهت في القرون السابقة الى العالم الاسلامي، بعين ناقدة.
     كما فسرت الاتهامات التي وجهت اليه كالاستبداد مثلا"، تفسيرا" علميا بقدر ما تم التأكيد على العوامل الايكولوجية من قبل مونتسكيو مثلا"(6).

الغرب والعرب.. مآرب استعمارية
اما القرن التاسع عشر فقد تميز باشياء كثيرة، كان التعلق الرومانتيكي بالشرق احدها. وهذا التعلق كان قد عبر عن نزعة من نزعات الاهتمام الغربي البالغ بالشرق. وقد عبر عنه بشكل خاص كل من (فولتير) و(شاتوبريان) و(لامارتين).
     بيد ان من السذاجة بمكان تصور هذا التعلق بعيدا" عن المآرب الاوربية وعن المشروع الاستعماري الاوربي الذي كان يستهدف تعزيز هيمنة النفوذ الاوربي في المنطقة. ففي هذا القرن ظهرت فكرة التفوق الاوربي بالقياس الى الشرق الاسلامي خصوصا" بعد ان اصبحت الدولة العثمانية "الرجل المريض" الذي ترعاه اوربا. وان الشعور بهذا التفوق سيقترن بالاستعمار كما قد اقترن ايضا" بثقافة غربية تحريرية ذات مدى كوني فيما يتعلق بالحرية الشخصية التي صدرت منها كل قيم التحرر العقلي والسياسي كما صدرت منها ايضا" لائحة المثل اللبيرلية العلمانية الحديثة التي تطمح الى بناء سلطة سياسية مستندة على مجموعة هذه المثل التي لايمكن تحقيقها الا في اطار سلطة تمثيلية برلمانية تتيح لكل الافراد المشاركة في صنع القرارات العامة(7).
     ازاء كل ذلك  ووفق قاعدة "المغلوب يحاكي الغالب " الخلدونية(8)، عكس الفكر العربي الحديث هذا التفاعل الحضاري بين العرب والغرب وبخاصة في القضايا الرئيسية التي إنشغل بها ومنها قضية الديمقراطية.
     وفي هذا المضمار كان العراقيون، شأنهم في ذلك شأن ابناء الولايات العثمانية العربية الاخرى داخل الدولة العثمانية، قد وجدوا انفسهم في مفتتح القرن العشرين، امام سلسلة من المفاهيم والمؤسسات والافكار السياسية التي نبعت من تجارب غريبة عنهم صيغت بتعبيرات اجنبية اوربية الامر الذي اضطرهم الى ابتكار الفاظ تعبر عنها.
     وفي العراق  ايضا"، فمن الممكن اعتبار الاعوام التوالي للقرن التاسع عشر وفواتح القرن العشريــن
من اخصب اعوام التطور الفكري. ففي تلك الاعوام الحبلى بالاراء والافكار، يجد الباحث في تطور الفكر السياسي  العراقي الحديث والمعاصر، الفترة التكوينية التأسيسية التي توطنت خلالها اغلب الافكار الغربية الاوربية الحديثة ثم ذاعت وانتشرت في الاعوام اللاحقة ومنها افكار الثورة الفرنسية في الحرية والاخاء والمساواة.
     وتعد الثورة الفرنسية وافكارها من الروافد التمهيدية الاساسية في بناء الفكر السياسي العراقي الحديث. اصداء واثار الثورة الفرنسية في البلاد العثمانية.
في سياق التطور التاريخي لعملية الاتصال بين الشرق والغرب لابد من الاشارة الى ان المراحل الاخيرة من القرن الثامن عشر كانت قد ارتبطت باتجاهين. الاول يتمثل بالتوسيع الاستعماري الغربي وقد عبر عنه (فولني) (Volney) لاسيما في كتابة (رحلة في سوريا ومصر) الذي كان ينضح، على الرغم من التحليل السياسي والاجتماعي الذي تضمنه، بكراهية للعرب المسلمين(9).
     اما الاتجاة الثاني فقد تمثل بالثورة الفرنسية التي تصاعدت فيها التيارات الانسانية لتنتهي لدى (كلوتس) احد قادة اليعاقبة الى دعوة لتوحيد البشر عبر عنها في مظاهرة نظمها في باريس عام 1790، ضمت عرباوبروسين وسويديين وسوريين.. الخ بازيائهم القومية على حد تعبير المؤرخ هو يزنجا(10).
ومع مجيء حكومة الادارة تجددت امال فرنسا في مد نفوذها الى المنطقة العربية، وكان بطل هذه الامال (نابليون) الذي قام بالحملة على مصر (عام 1798) معتمدا"، لهذا الغرض،على كتاب (فولني) الانف الذكر. وقد توجت هذه الحملة بكتاب (وصف مصر). والذي يعنينا فيه المقدمة التأريخية التي كتبها (جان باتسسيت ـ جوزيف فورييه) والتي بدت فيها مصر النصيب الطبيعي للامم الاخرى لان ((هذا البلد الذي نشر معرفته الى امم كثيرة غارق الان في البربرية )) كما جاء في مقدمة هذا الكتاب(11).
اما اثر هذا التحدي الغربي المتمثل بالحملة الفرنسية على مصر فانه كان قد تجسد باستجابة هي عبارة عن صحوة فكرية ترددت اصداؤها في البلاد العثمانية وبضمنها المنطقة العربية ففتحت العيون والاذهان الى اتساع شقة التطور الحضاري بين الشرق الاسلامي وبين خصمه التقليدي الغرب. وجعلت ابناء المنطقة يدركون حقيقة تخلفهم، ويسعون لمحاولة سد فجوة التطور الحضاري، فكانت هذه الاستجابة الايجابية منبها" وحافزا" على البحث عن طريق للنهضة. وبفعل مؤثرات هذه الحملة وعبر رجال البعثات الذين ارسلهم (محمد علي الكبير) لفرنسا (كالشيخ رفاعة الطهطاوي) وصلت مبادىء الثورة الفرنسية وافكارها الى الشرق العربي عموما"(12).
ومجمل القول ان الامبراطورية العثمانية كانت قد وجدت نفسها امام قيم جديدة، شاعت على الا لسنة والاقلام ابان الثورة الفرنسية وقد استمرت هذه القيم الجديدة تتناقلها الافواه في الشرق العربي، فأخذ الناس((يتحدثون عن الوطن والوطنية والامة والحرية والمساواة والحقوق الطبيعية وغيرها من الافكار))(13).
     وما ترتب على ذلك ان التجربة الاصلاحية العثمانية المعروفة بـ(حركة التنظيمات الاصلاحية العثمانية الحديثة) كانت قد اعطت عبر اتصالها بالتقدم الاوربي ابتداء من الثورة الفرنسية، اهميتها في مجمل العالم الاسلامي وضمنه العراق الذي كان ينظوي تحت لواء السلطنة العثمانية.

اصداء واثار افكار الثورة الفرنسية على العراق
اذا كان البعض قد اعتبر عام 1908، المنطلق لبلورة الوعي السياسي الديمقراطي الحديث في الدولة العثمانية التي كان العرب يؤلفون فيها نصف السكان فان الولايات العراقية كانت تتنفس، ولو بشكل ضيق، نفحات من افكار ومبادىء الثورة الفرنسية.
     فقد كان لجمهرة القناصيل الفرنسين العاملين في بغداد والموصل والبصرة مساهمة في بث الافكار وممارسة التصرفات المناصرة للاصلاح والتجديد بقدر ما كانوا يتوقون حماسة لأجل قضية عصرنة وتحديث الامبراطورية العثمانية(14).
ذهب هؤلاء القناصل الى تعنيف الموظفين العثمانيين الذين يهملون او يرفضون تطبيق الاصلاحات التي فرضت الدول الاوربية الغربية على السلطان العثماني ان يتبناها. وكان لصيغ التعبير عن الاماني، التي كانوا يتمنونها لرفاهية ورضاء وأمن الامبراطورية العثمانية، لهجة تنم عن الاخلاص الذي لا تشوبه شائبة.. كانوا يتصرفون طوال هذه الفترة، وكانهم انصار مؤمنون كل الايمان بالحلف الفرنسي ـ التركي على حد تعبير دي فوصيل(15).
     وقد كتب احد القناصل الفرنسيين في الموصل رسالة عن والي الموصل بعثها عام 1845، الى السفارة الفرنسية في الاستانة يطلب فيها تدخل الاخيرة لدى السلطان العثماني دفاعا عن حقوق الانسان والعدالة ويقول فيها :ـ
     ((انني بوصفي معتمدا" بسيطا" يجب على وأوثر كذلك ان اتوجه الى سفارتنا في الاستانة لتبذل كل جهودها لاقرار العدالة هنا في نصابها، وتثبيت قواعد حقوق الانسانية))(16).
     وعن مكانة (نابليون بونابرت) في نفوس اهل الموصل كتب القنصل الفرنسي والعالم الاثاري (بلاس) يقول :ـ
     ((لقد ظل اسم نابليون اسما" شعبيا" في الشرق.. وانني ازداد اندهاشا" واستغرابا" كل يوم من ان تأريخ الامبراطور يعرفه الناس هنا وهم على ما هم عليه من جهل مطبق لايصدق اكثر مما يعرفون عن تواريخ سلاطينهم ))(17).
وحين اعلان الجمهورية الفرنسية اثر ثورة 1848 كتب القنصل الفرنسي في بغداد (مسيودي نيسا) عن صدى هذا الحدث ومقدار الترحيب به في بغداد قائلا":ـ
((ان الشعور العام والفكرة التي تبدو انها سائدة في هذه المدينة حيث اوربا وانظمتها لاتكاد تعرف هنا، فقد كانا رأيا رفيعا" بمقدرات فرنسا الحالية وترحيبا تاما بمعتمدها وبمواطنيه وتكريما لهم(18).
وفي شباط عام 1853 يقول (بلاس) نفسه، بمناسبة حفل عام اقيم في الموصل بمناسبة الذكرى السنوية لاعلان الثورة الفرنسية بان ((الاعراب يضجون بالانغام على هيئة جوقة موسيقية قائلين:الله يجعل عمر باديشاه فرنسا الف عام))(19).
     وقد لعب مبشرو المدارس الدينية، الواقعة تحت الحماية الفرنسية دورهم ايضا" في بث افكار الثورة الفرنسية والجمهورية الثانية ففي عام 1882 التمس نائب القنصل الفرنسي في بغداد (مسيوبيرييه) برسالة شيئا" من المعونة لتلك المدارس وبرر طلبه بالاعتبار التالي :ـ
     ((ان خادم حكومة الجمهورية المتواضع المخلص ليخون واجباته اذا لم يلفت انظار مقام معاليكم الى موقف المبشرين في بغداد بوصفهم مواطنيين فرنسيين. لذا كان موقفهم في جميع الظروف ياسيادة الوزير،موقفا صحيحا صائبا فقد تصرفوا تصرف الفرنسيين ونعم الفرنسيون.ولم يبد منهم اي اعتراض مهما كان طفيفا عندما طلبت منهم ان يهتفوا باللاتينية بدعاء سلامة الجمهورية كما انهم لم يعارضوا في الهتاف بحياة الجمهورية الفرنسية كما هي العادة في ختام القداس الرسمي فهتفوا مع الهاتفين،ذلك الهتاف الذي رددته الجالية الفرنسية باسرها))(20).
     اما الجالية الفرنسية في الولايات العراقية فقد كانت مؤلفة من المبشرين الكاثوليكيين الرهبان والراهبات، ثم الكراملة في بغداد والدومنيكان في الموصل، وكانت لهم مدارسهم الحديثة على الطراز الاوربي والتي احتضنت طلابا مسلمين وطالبات مسلمات ايضا".(21). من جانب اخر راحت جريدة الزوراء في بغداد تساهم بدورها في تعريف العراقيين بالثورة الفرنسية ومبادئها التحررية. فقد اهتمت الزوراء بالحركات السياسية في الخارج، وخاصة في فرنسا والتحولات السياسية فيها لاسيما بعد اعلان النظام الجمهوري (22) كما انها نشرت اخبارا" عن هذا التحول ((وما حصل للفرنسيين من ابتهاج لاجل قيام الجمهورية التي كانوا يأملونها))(23).
     واهتمت الزواء بنشر اخبار الجمهورية الجديدة وبياناتها مع شروح وتعليقات استحسان كقولها ((وحال تلك البيانات عبارة عن قيام الملة من حيث الجملة لاخذ الثأر والانتقام ))(24) ثم اعقبت الزواء في اعدادها اللاحقة تحكي اخبار جمهورية فرنسا واخبار الصراع الملكي الجمهوري هناك.
     ويعد الخوري (داود يوسف الموصلي)(25) من اوائل نقلة الفكر الاوربي الغربي لاسيما الفرنسي الى قراء العربية في العراق، اضافة الى انه اول من زود البلاد العثمانية بكتب منقحة على الطريقة المدرسية في الصرف والنـحو والعروض والخطابة فاخرج الى العربية مثلا كتاب (المناهل الفرنساوية لوارد العربية) عام 1865، وهو كتاب يشتمل على نبذ مختارة من افضل الكتب الفرنسية، كما حوى ابوابا" مختلفة في الامثال والحكايات والرسائل الاوربية وفوائد علمية باللغتين العربية والفرنسية.
     كما تناول الموصلي لاول مرة فيه مختلف الفنون النثرية الحديثة من مقالة وقصة وحكاية ومحاورة، فجاء باسلوب حديث خال من الزخرفة اللفظية والسجع المتكلف(26).
     وقد ترجم (نعوم سحار)عام 1896،مسرحية عن الفرنسية هي مسرحية (Fanfanetoelas) تحت عنوان معرق هو (لطيف وخو شابا).وهي اول مسرحية تطبع في العراق. كما ايد ذلك اكثر من باحث. ثم نشرت مطبعة الدومنيكان في الموصل سنة 1903 كتاب ((جمع مختارات من الاداب الفرنسية)) حوى مجموعة مختارة من نتاجات ادباء فرنسيين بارزين(27).
     وفي نفس العام اخرجت مطبعة الدومنيكان كتاب (المطالعات للنصوص الفرنسية) للاب (شغاليه الدومنيكي) ونشر غفلا" عن اسمه بجزء واحد ضم حوالي 238صفحة(28).
     ويذكر ان من الذين كانوا قد تأثروا بمبادىء الثورة الفرنسبة فيما بعد كلا من محمد روؤف الغلامي وثابت عبد النور(29) اما الصحفي محمد عبد الحسين فقد كان من اشد المتاثرين بافكار الثورة الفرنسية وبروسو بوجه خاص، اذ اعتبره ((بطل الثورة الفرنسية وعدو الملوكية ورافع لواء الحرية))(30).
واستمر (محمد عبد الحسين) يدافع عن مبادىء الثورة الفرنسية من خلال دفاعه عن فكرة الجمهورية. ففي مقالة له عن الثورات يقول ((ان اغلب تلك الثورات واكبرها نتيجة هي ثورة الشعب الفرنسي سنة 1789 ضد الملك لويس السادس عشر.. فأتيحت للبشر كسر شوكــــة الملــــوك وفتـــــــح الباستيل  [قبر الاحرار] واعلان حرية الانسان وتاليف البرلمان وغير ذلك ما جاء بالخير العميم(31).
والاكثر من ذلك ان هذا الصحفي كان معلما للتاريخ. وفي كتاب التاريخ للصفوف الخامسة عام 1921ـ1922 كانت هناك بضعة. اسطر عن الثورة الفرنسية. وقد اخذ هذا المعلم يدرس الثورة الفرنسية باعجاب وبروح التأييد لافكارها لاسيما فكرة الجمهورية ويتكلم عنها باطالة في الشرح. وعلى اثر ذلك نقل الى مدرسة اخرى. ويذكر عبد القادر اسماعيل وهو من احد طلابه قائلا":ـ((حين وصل قرار نقله اصر محمد عبد الحسين على الدخول الى صفنا، ولم يبق امامه سوى يوم واحد في مدرستنا فخصص درسه الاخير كله للحديث عن الثورة الفرنسية))(32).
وهكذا، يبدو ان الثورة الفرنسية واثارها على حركة التنظيمات العثمانية الحديثة كانت قد ساهمت في تهيئة الاذهان في المشرق العربي، وضمنه العراق، لتقبل الافكار التحررية. وقد اخذ حجم تأثيرات هذه الافكار يتصاعد اوائل القرن العشرين مع روافد اخرى تمكنت بمجموعها من زرع افكار تحررية دستورية جديدة في العراق الحديث والمعاصر.

  الهوامش والمصادر
1.  ينظر: حمد صدقي الدجاني ـ رؤية الاوربيين الغربيين لانفسهم ولنا ـ مجلةالمنار ـ ع31 تموز1987.
2.  زيادة، د. خالد،  ـ اكتشاف التقدم الاوربي ـ دار الطليعة ـ بيروت ـ ص 13.
3.  م. ن، ص 14.
4.  للتفاصيل ينظـر: انيس زكريا النصرلي ـ اسباب النهضة العربية في القرن التاسع عشر ـ دار الفكر، بيروت، 1976ص 184 وص187ـ188.
5.  الطعان، د. عبد الرضــــــا، التطور التاريخي للفكر العربي المتعلق بالمنطقة الغربية ـ مذكرات، غير منشورة.بالرونيو.
6. م. ن.
7.  غليون، برهان، مشكلة الاقليات في الوطن العربي ـ دار الطليعة بيروت ـ 1978ـ ص109.
8.  هـــذه القاعدة عبر عنها العلامة ابن خلدون عندما قال ((ان المغلوب مولع دائما" بمحاكاة الغالب، والاقتداء به لانه يعتقد ان انتصاره راجع الى صحة مذاهبه وعوائده )) والاصل في ذلك كما يرى ابن خلـــــدون هوان ((النفس تعتقد ابدا" الكمال فيمن غلبها وانقادت اليه)) انظر ابن خلدون ـ المقدمة  ((فصل في ان المغلوب مولع دائما" بالاقتداء بالغالب)) ـ الطبعة الفرنسية، ج1، ص195.
9.  التطور التاريخي للفكر العربي المتعلق بالمنطقة الغربية، م. س.
10.  البـارون اثاركارسيس كلوتس (1755ـ1794) كان يحمل الجنسية الروسية فانضم الى الثورة، الفرنسيـــــة 1789،و تسمى باسم خطيب الحقوق البشرية واعدم بالجيلوتين. انظر يوهان هو، يزنجا ـ اعلام وافكار (نظرت في التاريخ الثقافي) ـمترجم ـ مصرـ1972 ـص 155.
11.  التطور التاريخي للفكر العربي المتعلق بالمنطقة الغربية، م. س.
12.  رئيــــف خـــوري ـ الفكر العربي الحديث (اثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي)، مطبعة الكاشـــف ـ بيروت ـ1943، ص 78وص89 وللمزيد من التفاصيل ينظر: الياس ابو شبكة ـ  روابط الفكر بين العرب والفرنجه ـ منشورات المكشوف ـ بيروت ـ 1943.
13.  م. ن، ص126.
14.  بير دي فوصيل ـ الحياة في العراق منذ قرن (1814ـ1914) ترجمة اكرم فاضل وزارة الثقافة، والاعلام ـ بغداد ـ1968 ـ ص16.
15.  م. ن، ص16.
16.  م. ن، ص8.
17.  م. ن، ص135.
18.  م. ن، ص133ـ134.
19.  م. ن، ص136.
20.  م. ن، ص138ـ139.
21.  احتوت مدرســة الاكليركية للاكليروس  الكلدان في الموصل عام 1882 زهاء 29طالبا مسلما"، وهناك مدرسة الطلاب البرانيين ويبلغ عدد طلابها 140 طالبا منهم 7من الطلاب المسلمين. اما الراهبات فقد كن يدرن مدرسة برانية يبلغ عدد طلابها 224طالبا منهم 30 طالبا من المسلمين. م. ن، ص ص145ـ146.
22.  كان الاتراك العثمانيون سابقين في استخدامهم لتعبير ((الجمهورية)) ومن اسطنبول انتشر هــذا، التعبير الى سائر البلاد الاسلامية ومنها العراق فبعد الثورة الفرنسية وبتاثيرها تعرف العثمانيون على هذا المفهوم وقد استخدم لاول مرة للاشارة الى النظام السياسي في فرنسا كما وردت الاشارة اليه في مناسبات عديدة من قبل عاطف أفندي في مذكراته عام 1798 عندما اشار اليها في حديثه عن احداث الثورة الفرنسيـــة والوضع السياسي في فرنسا، ينظر: خالد زيادة، اكتشاف التقـــــدم  الاوربي، م. س، ـ ص ص 99ـ100 وللتفاصيل  عن جذور استخدام هذا التعبير في العراق الحديث ينظـــــــر عامر حسن فياض ـ جذور الفكر الاشتراكي والتقدمي في العراق ـ دار ابن رشد بيروت ـ 1980 ـص ص53ـ64.
23.  جريدة الزوراء، بغداد، العدد 76لسنة 1228هـ..
24.  م. س، العدد 78لسنة 1228هـ.
25.  هو يوسف بن داود الزبونجي ـ عراقي ولد في الموصل سنة 1829م وتلقى علومه في الموصل في روما وكهن سنة 1855م ثم عاد الى الموصل وبدأ نشاطه في التدريس والتأليـــــف والبحث والتنقيب. واليه يعود الفضل في تنشيط مطبعة الدومنيكان في الموصل (1860م) التي اعــــدت عاملا" من عوامل النهضة الادبية والفكرية في العراق الحديث على رأي روفائيل بطي.وقد ترك داود يوســــــــف الموصلي ما يقرب من 85 مؤلفا في مختلف حقول المعرفة والفكر 0 وتوفى عام1940 بعد ان قضى 40 سنة في الموصل.للتفاصيل انظربهنام  فضيل عفاص ـ في كتابــــة (اقليميس يوسف داود)رائد من رواد الفكرفي العراق(دراسة تحليلية)ـ مطبعةالاديب ـ بغداد ـ 1985.
26.  توجـــــد من هذا الكتاب حاليا نسخه في مكتبة الدومنيكان بالموصل ـ انظر بهنام فضيل عفاص ـ تاريخ الطباعة والمطبوعات العراقية ـ بغداد ـ 1985ـ ص 99.
27.  م. ن، ص 103 والجدير بالذكر ان اول مسرحية عراقية كتبت على الطـــــــراز الغربي الحديث كانت عام 1880 من قبل القس (حناحبش) المتوفي في زاخو عام 1882 وهي مسرحية كوميدية ادم وحواء وكوميدية بيسوف الحسن وكوميدية طوبيا.. انظر د. عمر الطالب ـ المسرحية العربيــــة في العراق ـ مطبعة النعمان ـ النجف ـ 1971ـ ص18 وانظر ايضا" علي الزبيـــــدي ـ المسرحية العربية في العراق ـ معهد الدراسات العربية العليا ـ القاهرة ـ 1966 ـ ص ص 47ـ48.
28.  ينظر بهنام عفاص ـ المصدر نفسه ـ ص ص103ـ104.
29.  ينظر ابراهيم خليل احمد ـ ولاية الموصل (دراسة في تطوراتها السياسية1908ـ1922) ـ بغداد، ص161.
30.  ينظر مجلة اللسان ـ الجزء المختار ـ السنة الاولى ـ بغداد ـ 1920ـ مقالة (الفقر وبنوه) ص 33.
31.  مجلة اللسان ـ المجلد الاول ـ الجزء الثاني ـ بغداد ـ 1920ـ مقالة (اما اشبه الطبيعة بالانسان حول مبدأ الحرية) ص229 وانظر ايضا" جريدة الفرات.
32.  فياض، عامر حسن، جذور الفكر الاشتراكي والتقدمي في العراق، م. س، ص64.
*http://www.madarik.net/mag5and6/18.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

معنى كلمتي (جريدة ) و(مجلة )

  معنى كلمتي ( جريدة) و(مجلة) ! - ابراهيم العلاف ومرة تحدثت عن معنى كلمة (جريدة ) وقلت ان كلمة جريدة من   (الجريد) ، و( الجريد) لغة هي :  سع...