الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

هل يتقاعد الأستاذ الجامعي ؟ ا.د.ابراهيم خليل العلاف

هل يتقاعد الأستاذ الجامعي ؟

ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
لم تعد الجامعات في كل بلاد العالم ، كما كانت سابقا مجرد ميدان للتدريس، إنما تعددت مهامها وتنوعت مجالات عملها فهي اليوم مراكز للبحث العلمي ولتطوير المجتمع وبيئة توطنها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإداريا .

والجامعات لكي تؤدي هذه الواجبات وتتحمل هذه المسؤولية ، لابد لها من تهيئة الكوادر اللازمة والمتمكنة وفي مقدمتها الأستاذ الجامعي بدرجاته العلمية المختلفة ومواصلة تطوير قدراته الإدارية والعلمية وتوسيع آفاق فكره ومجالات اطلاعه عن طريق إسهاماته في الندوات والمؤتمرات داخل بلاده وخارجها ليزداد خبرة وعلما ينقله إلى طلبة جامعته .

وإذا ما أريد للبلد والمجتمع والوطن أن يتقدم ويزدهر ويتطور فان عليه أن يهيئ للأستاذ الجامعي فرص التطور والتكامل والنضوج واستمرار العطاء بما اختزن وامتلك وتزود من علم ومعرفة وتجربة وعلى الدولة حينذاك أن تسعى للاستفادة من هذا العطاء وحتى إلى آخر أيام قدرته على العمل لتسديد ما بذمته للبلد والوطن والمجتمع من دين وأمانة لاالتعامل معه كموظف عليه مغادرة عمله في سن معينة رغم قدرته على العمل وامتلاك الخبرة التي تؤهله لنقلها إلى طلبته في الدراسات الأولية الجامعية أو في الدراسات العليا بما فيها الدبلوم والماجستير والدكتوراه .فضلا عن كونه مفكرا ومصدرا تستمد منه المعلومات والحقائق في اختصاصه . ولهذا كله اعتمد الكثير من الدول المتقدمة وحتى دول الجوار للعراق وبعض الدول العربية إلى الاحتفاظ بالأستاذ الجامعي إلى اكبر قدر ممكن من الخدمة وعدم شموله او إخضاعه للتقاعد .ففي مصر مثلا يظل الأستاذ الجامعي في الخدمة طالما كان قادرا على العمل والعطاء ..يدرس ويشرف على رسائل الدراسات العليا يناقش الأطروحات ويقدم الخبرة والاستشارة لمؤسسات الدولة والمجتمع هذا إذا لم يتم اختياره وزيرا فمعظم وزراء مصر من الجامعات .

من هذا المنطلق فان الواجب الوطني يفرض علينا الاعتزاز بأساتذتنا الجامعيين لا التخلي عنهم بجرة قلم بحجة وصولهم إلى السن 65 عاما والانكى من ذلك حرمانهم من كثير من حقوقهم ووصل الأمر في إحدى جامعاتنا إلى إحالتهم إلى التقاعد بأثر رجعي وسحب هوياتهم وتذاكر دخول سياراتهم إلى الجامعة في تصرف فردي وغريب لم تألفه جامعاتنا العراقية في كل تاريخها مما ينم عن جهل بمهام ورسالة الأستاذ الجامعي وحساسية دوره في الدولة والمجتمع .

لقد نسي هؤلاء أن إسرائيل في سنة 1967 نقلت أكثر من أربعة ألاف أستاذ جامعي وباحث وخبير خارج إسرائيل حفاظا عليهم . وقال ابرز مسؤول إسرائيلي ان هؤلاء هم من سيعيد بناء البلد بعد الحرب ..إن الأساتذة عندنا من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تلقوا علومهم في جامعات علمية رصينة فهم القاعدة العلمية التي ترتكز عليها الجامعات بل ويرتكز عليها المجتمع ومؤسساته واذا ما فكرنا بتقاعدهم فان الجامعات ستخلوا من الخبرات والكفاءات العلمية العالية خاصة وان معظم هؤلاء في مرتبات علمية متقدمة اي ان معظمهم أساتذة وأساتذة مساعدين وان اتخاذ أي إجراء لتقاعدهم أو إخراجهم من الجامعات معناه عرقلة فرص تقدم المجتمع وحرمان الأجيال الجديدة من الاستفادة المطلوبة فضلا عن ان الاستغناء عن هذه الكفاءات وتحجيم دورها التعليمي والتربوي والثقافي التنويري سيقود في النهاية الى تسربها خارج البلد للعمل في جامعات غير عراقية مما يمثل خسارة لايمكن تعويضها في وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى الاعتماد على الصفوة العلمية المتميزة من أبنائه الذين أسهموا في بناء جامعاته في المجالات كافة وفي صنع وتخريج كفاءاته المتنوعة في المجالات الإنسانية والعلمية على حد سواء باعتبارهم من البناة الأوائل لجامعاتنا وتطويرها ووضع تقاليدها طوال عقود من الزمن جعلتهم مرجعية علمية فذة ينهل من ينابيعها الكادر الذي سيليها ويتزود الجيل الجديد من نبعها بكل ما يؤهله لتولي المسؤولية ومواصلة الخدمة والعطاء .ونعرج هنا على أكذوبة التخصصات النادرة التي لايمكن تحديدها بقائمة كانت معدة من قبل وفي ظل ظروف الحروب والتصنيع العسكري إبان ال35 سنة الماضية فمن يقول أن الفيزياء هي التخصص النادر بينما النحو ليس تخصصا نادرا وكم أستاذ في الفلسفة لدينا في العراق ؟ كل تخصص علمي هو نادر والعراق لكي يبنى من جديد بحاجة إلى كل التخصصات العلمية الصرف والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية .

ان مجتمعنا الذي يعتز كل الاعتزاز بالصفوة من أساتذة جامعاتنا الذين أفنوا أعمارهم في ميادين العلم والعمل وشاب رأسهم وتحملوا ما تحملوا من شظف العيش والعوز وظلوا يواصلون ويعملون ويعلمون ويدرسون ويقدموا خدماتهم الجليلة بعيدا عن التفكير بالمردود المادي المتضائل أمام إسهاماتهم في خدمة وطنهم والإسهام في تعليم وتربية أبنائه وبناته تعليما أكاديميا يساعدهم في بناء وتطوير بلدهم ومؤسساتهم المختلفة .

إن مصلحة البلاد الوطنية تدعو بل وتفرض مواصلة الأستاذ الجامعي لخدمته وعدم منعه او إيقافه عن العمل أو تقاعده عن الخدمة والعطاء طالما هو على استعداد لمواصلته .

دعوة صادقة متجردة ونبيلة ومخلصة لبلدنا ولأولادنا ولأحفادنا ولوطننا وأجيالنا المقبلة ودعوة لأولي الأمر ولكل من يمتلك قدرة غرس شجرة خير وخدمة لهذا الوطن أن يغرسها لديمومة المسيرة والحفاظ على ماتبقى فيه من اشجار الخير والعلم والحضارة من أساتذة أجلاء فيهم الخير كل الخير الاستفادة من خبرتهم وكفاءاتهم وتجربتهم واستمرار خدمتهم وعطائهم لا في تقاعدهم والله من وراء القصد .

*نشرت المقال لأول مرة في جريدة فتى العراق (الموصلية ) العدد 207 السنة الخامسة ،الأحد 23 آذار 2008 غفلا عن اسمي وككلمة افتتاحية في الصفحة الأولى .

صورة: ‏هل يتقاعد الأستاذ الجامعي ؟

ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل 
        لم تعد الجامعات في كل بلاد العالم ، كما كانت سابقا مجرد ميدان للتدريس، إنما تعددت مهامها وتنوعت مجالات عملها فهي اليوم مراكز للبحث العلمي ولتطوير المجتمع وبيئة توطنها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وإداريا .

    والجامعات لكي تؤدي هذه الواجبات وتتحمل هذه المسؤولية ، لابد لها من تهيئة الكوادر اللازمة والمتمكنة وفي مقدمتها الأستاذ الجامعي بدرجاته العلمية المختلفة ومواصلة تطوير قدراته الإدارية والعلمية وتوسيع آفاق فكره ومجالات اطلاعه عن طريق إسهاماته في الندوات والمؤتمرات داخل بلاده وخارجها ليزداد خبرة وعلما ينقله إلى  طلبة جامعته .

   وإذا ما أريد للبلد والمجتمع والوطن أن يتقدم ويزدهر ويتطور فان عليه أن يهيئ للأستاذ الجامعي فرص التطور والتكامل والنضوج واستمرار العطاء بما اختزن وامتلك وتزود من علم ومعرفة وتجربة وعلى الدولة حينذاك أن تسعى للاستفادة من هذا العطاء وحتى إلى آخر أيام قدرته على العمل لتسديد ما بذمته للبلد والوطن والمجتمع من دين وأمانة لاالتعامل معه كموظف عليه مغادرة عمله في سن معينة رغم قدرته على العمل وامتلاك الخبرة التي تؤهله لنقلها إلى طلبته في الدراسات الأولية الجامعية أو في الدراسات العليا بما فيها الدبلوم والماجستير والدكتوراه .فضلا عن كونه مفكرا ومصدرا تستمد منه المعلومات والحقائق في اختصاصه . ولهذا كله اعتمد الكثير من الدول المتقدمة وحتى دول الجوار للعراق وبعض الدول العربية إلى الاحتفاظ بالأستاذ الجامعي إلى اكبر قدر ممكن من الخدمة وعدم شموله او إخضاعه للتقاعد .ففي مصر مثلا يظل الأستاذ الجامعي في الخدمة طالما كان قادرا على العمل والعطاء ..يدرس ويشرف على رسائل الدراسات العليا يناقش الأطروحات ويقدم الخبرة والاستشارة لمؤسسات الدولة والمجتمع هذا إذا لم يتم اختياره وزيرا فمعظم وزراء مصر من الجامعات .

    من هذا المنطلق فان الواجب الوطني يفرض علينا الاعتزاز بأساتذتنا  الجامعيين لا التخلي عنهم بجرة قلم بحجة وصولهم إلى السن 65 عاما والانكى من ذلك حرمانهم من كثير من حقوقهم ووصل الأمر في إحدى جامعاتنا إلى إحالتهم إلى التقاعد بأثر رجعي وسحب هوياتهم وتذاكر دخول سياراتهم إلى الجامعة في تصرف فردي وغريب لم تألفه جامعاتنا العراقية في كل تاريخها مما ينم عن جهل بمهام ورسالة الأستاذ الجامعي وحساسية دوره في الدولة والمجتمع .

     لقد نسي هؤلاء أن إسرائيل في سنة 1967 نقلت أكثر من أربعة ألاف أستاذ جامعي وباحث وخبير خارج إسرائيل حفاظا عليهم  . وقال ابرز مسؤول إسرائيلي ان هؤلاء هم من سيعيد بناء البلد بعد الحرب ..إن الأساتذة عندنا من جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية قد تلقوا علومهم في جامعات علمية رصينة فهم القاعدة العلمية التي ترتكز عليها الجامعات بل ويرتكز عليها المجتمع ومؤسساته واذا ما فكرنا بتقاعدهم فان الجامعات ستخلوا من الخبرات والكفاءات العلمية العالية خاصة وان معظم هؤلاء في مرتبات علمية متقدمة اي ان معظمهم أساتذة وأساتذة مساعدين وان اتخاذ أي إجراء لتقاعدهم أو إخراجهم من الجامعات معناه عرقلة فرص تقدم المجتمع وحرمان الأجيال الجديدة  من الاستفادة المطلوبة فضلا عن  ان الاستغناء عن هذه الكفاءات وتحجيم دورها التعليمي والتربوي والثقافي التنويري سيقود في النهاية الى تسربها خارج البلد للعمل في جامعات غير عراقية مما يمثل خسارة لايمكن تعويضها في وقت نحن أحوج مانكون فيه إلى الاعتماد على الصفوة العلمية المتميزة من أبنائه الذين أسهموا في بناء جامعاته في المجالات كافة وفي صنع وتخريج كفاءاته المتنوعة في المجالات الإنسانية والعلمية على حد سواء باعتبارهم من البناة الأوائل لجامعاتنا وتطويرها ووضع تقاليدها طوال عقود من الزمن جعلتهم مرجعية علمية فذة ينهل من ينابيعها الكادر الذي سيليها ويتزود الجيل الجديد من نبعها بكل ما يؤهله لتولي المسؤولية ومواصلة الخدمة والعطاء .ونعرج هنا على أكذوبة التخصصات النادرة التي لايمكن تحديدها بقائمة كانت معدة من قبل وفي ظل ظروف الحروب  والتصنيع العسكري إبان ال35 سنة الماضية فمن يقول أن الفيزياء هي التخصص النادر بينما النحو ليس تخصصا نادرا وكم أستاذ في الفلسفة لدينا في العراق ؟ كل تخصص علمي هو نادر والعراق لكي  يبنى من جديد بحاجة إلى كل التخصصات العلمية الصرف والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية .

     ان مجتمعنا الذي يعتز كل الاعتزاز بالصفوة من أساتذة جامعاتنا الذين أفنوا أعمارهم في ميادين العلم والعمل وشاب رأسهم وتحملوا ما تحملوا من شظف العيش والعوز وظلوا يواصلون ويعملون ويعلمون ويدرسون ويقدموا خدماتهم الجليلة بعيدا عن التفكير بالمردود المادي المتضائل أمام إسهاماتهم في خدمة وطنهم والإسهام في تعليم وتربية أبنائه وبناته تعليما أكاديميا يساعدهم في بناء وتطوير بلدهم ومؤسساتهم المختلفة .

    إن مصلحة البلاد الوطنية تدعو  بل وتفرض مواصلة الأستاذ الجامعي لخدمته وعدم منعه او إيقافه  عن العمل أو تقاعده عن الخدمة والعطاء طالما هو على استعداد لمواصلته .

   دعوة صادقة متجردة ونبيلة ومخلصة لبلدنا ولأولادنا ولأحفادنا ولوطننا وأجيالنا  المقبلة ودعوة لأولي الأمر ولكل من يمتلك قدرة غرس شجرة خير وخدمة لهذا الوطن أن يغرسها لديمومة المسيرة والحفاظ على ماتبقى فيه من اشجار الخير والعلم والحضارة من أساتذة أجلاء فيهم الخير كل الخير الاستفادة من خبرتهم وكفاءاتهم وتجربتهم واستمرار خدمتهم وعطائهم لا في تقاعدهم والله من وراء القصد .

*نشرت  المقال لأول مرة في جريدة فتى العراق (الموصلية ) العدد 207 السنة الخامسة ،الأحد 23 آذار 2008 غفلا عن اسمي  وككلمة افتتاحية في الصفحة الأولى .‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...