الاثنين، 14 أبريل 2014

محمد الماغوط بقلم : الاستاذ سامي مهدي

محمد الماغوط
بقلم : الاستاذ سامي مهدي

عرفت الشاعر محمد الماغوط أول مرة من خلال ما ورد عنه من أخبار في مجلة شعر اللبنانية . وكان أول ما قرأت له مجموعته الثانية ( غرفة بملايين الجدران ) في أوائل ستينيات القرن العشرين . وقد أعجبتني المجموعة في حينه ، فتحمست له وصرت أحرص على متابعة ما ينشر من شعر وقراءة ما يكتبه النقاد عنه . فقرأت له ، بعد ذلك ، مجموعته الأولى ( حزن في ضوء القمر ) ثم مسرحيته ( العصفور الأحدب ) وأخيراً مجموعته الثالثة ( الفرح ليس مهنتي ) أما مسرحياته الأخرى فلم تتيسر لي سبل الحصول عليها وقراءتها .
أتحدث هنا عن شعر الماغوط ، أما مسرحياته فلا تعنيني ، فأقول عن هذا الشعر أنه شعر حر Free verse على وفق المعايير النقدية الصحيحة ، وليس قصيدة نثر Prose poem . وهو شعر صور بالدرجة الأولى ، بعضها حسي التقطه من أرض الواقع ورسب في ذاكرته ، وبعضها متخيل يأتيه عفواً أو يصنعه صناعة . وتكاد كل قصيدة من قصائده تكون صورة كلية شاملة ، وهذه الصورة تتكون من عدة صور موسعة نسبياَ ولكنها متكاملة في ما بينها ، وكلها منسوج من صور جزئية عمادها الاستعارات والتشبيهات .
غالبية استعارات الماغوط وتشبيهاته جديدة وطريفة ، وهي غريبة في كثير من الأحيان . ذلك لأنها لا تخضع لمعايير البلاغة التقليدية . فالعلاقة بين طرفي استعاراته ، وكذلك بين طرفي تشبيهاته ، تبدو اعتباطية في ظاهرها ، تبدو لا منطقية ، غير أن هناك منطقاً داخلياً يجمعهما ، وبعداً نفسياً يربط بينهما ، فيتكون منهما تشكيل شعري متسق قد لا يكون مفهوماً فهماً دقيقاً كما تفهم العبارات النثرية الاعتيادية ، ولكنه يُحَسّ ويُدرَك بالتخيل والحدس والتأويل . وهذا ما لم تنتبه إليه الناقدة خالدة سعيد حين وصفت صوره بأنها ( مبعثرة لا تتحلّق حول محور معين ) وبأنها ( أشبه بانطباعات متناثرة تتقاذف القارئ في اتجاهات متشعبة ) وعدتها علامة تدل على أنه لم يتمكن بعد من فن الشعر . ( كتابها : البحث عن الجذور ص 74 ) .
غير أن حماستي لشعر الماغوط كانت تفتر كلما تقدمت في قراءته ، حتى أصبح لي فيه رأي ربما لن يعجب كثيرين ، ولكنني سأسمح لنفسي بإعلانه ، فقد وجدت فيه عيوباً فنية خطيرة يمكن أن أوجزها بما يأتي :
1 : رتابة أسلوبه في بناء القصيدة . فهو ينهج في جميع قصائد المجموعة ، وربما في جميع شعره ، أو غالبيته العظمى في الأقل ، أسلوباً سردياً حكائياً ، بضمير المتكلم ، حتى عندما يتغير جنس السارد كما في قصيدتي ( الرجل المائل ) و( الرعب والجنس ) أو عندما يتغير عدده كما في قصيدة ( بكاء الثعبان ) . ثم أن جميع قصائده تقريباً تتكون من عدة مقاطع ، والمقطع الأول في القصيدة هو دائماً عتبة لدخول عالمها . وهي مكتوبة دائماً بصوت متوتر مأزوم وساخط ، وهذا كله يعني أن شعر الماغوط يفتقر إلى التنوع في الشكل والأسلوب والروح .
2 : تميل قصيدته إلى الترهل والتخلخل أحياناً ، فهو يستطرد فيها دون مسوغ فني ، مرة لإعجابه الشخصي بفكرة القصيدة ، ومرة لأن السرد يغريه بالإسهاب والتطويل ، بدل التكثيف والتركيز .
3 : تكتفي الصورة في قصيدته بعناصر الطرافة والغرابة والإدهاش ، حتى تكاد تخلو من أي عمق ثقافي أو فكري ، ولا تكاد تتطلع إلى آفاق أبعد من لحظتها .
4 : تعويله المفرط على التشبيهات في بناء الصورة ، فلا تكاد أية قصيدة من قصائده تخلو من عدد لافت للنظر من التشبيهات ، وكثيراً ما تتوالى هذه التشبيهات شطراً بعد شطر قيتشوش المشهد . وقد أحصينا في قصيدة ( الرجل المائل ) مثلاً تسعة عشر تشبيهاً ، وفي قصيدة ( بكاء في رحلة صيد ) سبعة عشر ، وفي قصيدة ( مقهى بيروت ) ثلاثة عشر ، وفي قصيدة ( الرعب والجنس ) أحد عشر ، وقس على ذلك .
أتساءل : هل اكتشف الماغوط عيوب شعره فتوقف عن كتابته وانصرف إلى الكتابة المسرحية والصحفية بعد إصدار مجموعته الشعرية الثالثة ؟
ربما ، ولكنه يظل شاعراً متميزاً من شعراء تلك الحقبة .
1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...