الاثنين، 14 أبريل 2014

خالد علي مصطفى : شهادة موجزة عن رجل مسهب بقلم : الاستاذ سامي مهدي

خالد علي مصطفى : شهادة موجزة عن رجل مسهب
بقلم : الاستاذ سامي مهدي

• والرجل هو صديقي الشاعر خالد علي مصطفى . عرفته منذ عام 1958، عام دخولنا كلية الآداب ، ولكن علاقتي به توثقت في أواسط الستينيات ، حتى صرنا صديقين حميمين . إذن فهي صداقة عمرها نحو نصف قرن .
• وخالد شاعر مبدع مجتهد ، ولكن النقد لم يولِ شعره من الاهتمام ما يستحقه ، ومن الدراسة ما هو جدير بها ، والسبب يعني النقاد وعددهم النقدية وانحيازاتهم الخاصة ، ولا يعني شعره وعافيته الإبداعية . أما هو نفسه ، أما خالد ، فقد كان ، دائماً ، متحرجاً ، زاهداً ، في الحديث عن نفسه وعن شعره .
• وأما انا فقد كتبت عنه وله أكثر من مرة ، كتبت مرات :
- كتبت قصيدتين أهديتهما له هما قصيدتا : القيامة ، ورغبة ، وكتبت عنه ، عن شخصه قصيدة عنوانها : خالد علي مصطفى .
- وحين ألّفت كتابي ( الموجة الصاخبة ) كان اسم خالد يتردد في الكثير من صفحاته ، وعدا ذلك خصصته بصفحات منه حللت فيها إحدى قصائده المبكرة هي قصيدة : ملاح الصحراء .
- وحين نشر ديوانه الأخير ( غزل في الجحيم ) كتبتُ عن هذا الديوان دراسة موسعة من ثلاثة مباحث عنوانها : في شعرية خالد علي مصطفى ، ونشرتها أكثر من مرة .
- وكتبت عن خالد وشعر خالد غير هذا وذاك ، وها أنا أكتب الآن هذه الشهادة الموجزة .
• خالد علي مصطفى شاعر جاد ، مثقف ، واسع الثقافة ، عميقها ، وهو معروف بطلاقة لسانه ، وخصب حديثه ، لم تغره السهولة ولا بهارج اللعبة ، ولم يعنَ بالادعاء ، أو الاستعراض ، ولا البحث عن الأضواء . إنه يكتب قصيدته ويتركها لنا ، ولا يمنّ بها علينا .
• إذا كان صحيحاً ، وهو صحيح ، أن حركة الشعر الحديث في العراق جزء من حركة الشعر العربي الحديث ، فإنه ليصح القول : إن للشعر العراقي الحديث خصائص فنية محلية ، ولكننا لسنا الآن في صدد تشخيصها والحديث عنها . وانطلاقاً من هذه النقطة أرى أن شعر خالد ينتمي إلى الشعر العراقي الحديث في خصائصه الفنية ، قبل أن ينتمي إلى غيره ، حتى ليمكن القول : إنه شاعر عراقي ، قبل أن يكون شاعراً فلسطينياً . ولعل من المفارقة أن يعده العراقيون شاعراً فلسطينياً في حين ينظر إليه الفلسطينيون وكأنه شاعر عراقي !
• خالد علي مصطفى من صنّاع النموذج الشعري الستيني في العراق على المستويين النظري والتطبيقي . وهو مساهم نشيط ، وسبّاق ، ومبدع في صناعة هذا النموذج . وقد كان بنماذجه ، وحضوره ، وإسهامه الفعلي ، وفي مجمل فعاليته ، النقدية منها وغير النقدية ، من أركان حركة الشعر الستيني السبّاقين والفاعلين في العراق . وكان شريكي في فكرة إصدار مجلة شعر 69 ، وكنا معاً عند تقديم طلب الحصول على امتياز إصدارها ، هو سكرتيراً للتحرير ، وأنا رئيساً للتحرير ، وهذا قبل أن تستضيف المجلة في رحابها الشاعر فاضل العزاوي .
• في الوهلة الأولى تبدو قصيدة خالد صعبة عصيّة ، ولكنك إن أمعنت النظر فيها تكشفت لك أسرارها ، وتبدّت بكل حيويتها وخصبها وثرائها . فهي قصيدة تغلب عليها الصنعة ، قصيدة ذات طبقات ، مركّبة تركيباً معمارياً دقيقاً ، ومعقداً ، ولذا تتطلب قراءة صبورة تخترق بنيتها السطحية وتصل إلى بنيتها العميقة ، لاكتشاف قوانين اشتغالها ، والتعرف على نسيجها الداخلي . وخالد نفسه لا يبخل على القاريء اليقظ بتسليمه مفاتيحها ، أو بعض هذه المفاتيح في الأقل . فهو لا يترك قارئه من دون موجهات تقوده في عملية القراءة ، سواء أجاءت الموجهات في عنوان القصيدة أم في ثناياها . ولكنه لا يبالغ في ذلك فيكشف له أسرار قصيدته ، بل يضع صوى على الطريق ويتركه ومتعة الاكتشاف والتأمل والتأويل .
• وقصيدة خالد تنطلق عادة من تصور شعري للعالم ، أو من لحظة تصورية معينة من لحظاته ، ولكنه تصور يقترن برؤية فكرية موازية له ، هي في الأصل سابقة عليه . ولهذا يمتزج في قصيدته الوعي باللاوعي ، والحقيقة بالحلم ، والواقع بما وراءه .
• ولغة هذه القصيدة استعارية ، ليست معنية دائماً بأداء معان محددة ، بل هي معنية ، غالباً ، بإنشاء بنيات توسع فضاء الدلالة ، ينفتح بعضها على بعض لتفضي في النهاية إلى تشكيل شعري كنائي . ويمارس خالد في هذه اللغة نوعاً من النزق السوريالي ، المخاتل ، المحيّر أحياناً ، ولكن هذا النزق محكوم في النهاية بتبليغ رسالة نسقها شعري ومرجعها فكري في غالب الأحيان . وقارئه لا يصل إلى هذه الرسالة إلا بأن يستبدل الكينونة التي في القصيدة بكينونة أخرى ، لها احتمال واحد في الغالب ، ولها أكثر من احتمال في أحيان قليلة . لهذا يرى القاريء المتعجل ، القليل الصبر ، أن قصيدة خالد صعبة ، أو عصية ، أو غير مفهومة .
• تحدثت حتى الآن عن خالد الشاعر ، وسأتحدث الآن حديثاً إشارياً عن حضور خالد الثقافي ، في حركتنا الثقافية بمجملها ، فهو عنصر فاعل من عناصرها على جميع مستوياتها :
• في المقهى ، خالد علي مصطفى أحاديث خصبة بما فيها من معرفة ، وعمق ، وبصيرة . وهو حماسة متقدة ، وصراحة بريئة ، ورأي جهير ، يحاور ولا يداور ، ويقبل أو يرفض عن معرفة واقتناع وإخلاص ، تتحول بوجوده جلسات المقهى ، أو أغلبها وفي معظم وقتها ، إلى ندوة ، أو شبه ندوة ، حول مسألة أدبية أو ثقافية أو فكرية ، وما من مسألة من هذه المسائل إلا وله رأي فيها ، وهو لا يتوانى عن عرض هذا الرأي وإسناده بالحجج . وبقدر تعلق الأمر بي فإنني أتفق معه في الرأي أحياناً وأختلف معه أحياناً ، وأهم اختلافاتنا يقع في صميم الكتابة الشعرية ، فهو اختلاف في الرؤية وفي المنهج . وقد قال كلانا رأيه في شعر صاحبه في أكثر من مناسبة .
• ومنذ الستينات ، كتب خالد في الصحافة الكثير من المقالات والدراسات الأدبية ، لاسيما النقدية منها ، كتب ما لو جمع ونسق لخرجت منه عدة كتب . كتب عن الشعر والدواوين الشعرية في غالب الأحيان ، وكانت أفكاره على درجة عالية من المعرفة والعمق والأصالة ، وآراؤه على قدر كبير من الوضوح والصراحة ، الصراحة المطلقة أحياناً ، وعادة ما تكون حججه قوية ومقنعة ونافذة .
وعمل خالد في الصحافة الأدبية محرراً ، ورئيس قسم ، ورئيس تحرير . ولكن الرجل قليل المبالاة بما كتب ، فلم يجمعه وينشره في كتب كما يفعل غيره ، وهو مقصر في هذا تقصيره في جمع شعره ونشره .
• وخالد علي مصطفى أستاذ جامعي منذ أواسط السبعينيات ، وهو أستاذ لامع دائماً ، ويشهد طلابه بأنه بارع في بسط دروسه ، وأنهم يفيدون منه ويغتنون ، وقد تخرج على يديه الكثير من طلبة الدراسات العليا ، وهو اليوم ، ومنذ سنوات ، أستاذ متمرس قل نظيره في جامعاتنا .
• ذلكم هو صديقي ، صديق العمر : الشاعر المبدع ، والأستاذ المتمرس الدكتور خالد علي مصطفى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ويومكم مبارك ورمضانكم كريم

  ويومكم مبارك ورمضانكم كريم ونعود لنتواصل مع اليوم الجديد ............الجمعة 29-3-2024 ............جمعتكم مباركة واهلا بالاحبة والصورة من د...